إيصاله بأن يخفي أمره عن قومه ، لأنّهم إذا اطّلعوا على واقع الحال ، عرفوا المكان ، وإذا عرفوه فهم إمّا سيقتلون من فيه أو يجبرونهم على عبادة الأوثان (١).
نعم ذكر بعضهم وجهاً آخر للتلطّف ، خلاصته أن يكون على حذر من أهل المدينة بحيث لا يُغبن في شراء الطعام ، وهذا الوجه بعيد عن أجواء الآية الكريمة كلّ البعد ، خصوصاً مع قوله : (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) كما نبّه عليه الشوكاني الزيدي (ت / ١٢٥٠ ه) (٢).
الآية الخامسة :
قال تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (٣).
ومعنى الآية كما نصّ عليه سائر المفسّرين : إنّ الله تعالى قد بيّن لكم الحلال من الحرام ، وازيل عنكم اللبس والشكّ ، ثمّ استثنى فقال : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) أي : ما اضطُررتم إليه من المحرّمات فهو لكم. والآية ناظرة لقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٤).
__________________
(١) انظر : تفسير الماوردي ٢٩٤ : ٣ ، ومعالم التنزيل / البغوي ٥٥٧ : ٣ ، وروح البيان / البرسوي ٢٢٩ : ٥ ، وروح المعاني / الآلوسي ٢٣١ : ١٥ ، ومحاسن التأويل / القاسمي ١٨ : ١١ ، وتيسير التفسير / محمّد بن يوسف اطفيش الإباضي ٣٥٣ : ٧ ، وتفسير المراغي ١٣٣ : ١٥.
(٢) فتح القدير ٢٧٦ : ٣.
(٣) الأنعام ١١٩ : ٦.
(٤) البقرة ١٧٣ : ٢.