وهذا الحديث يدلّ أيضاً على مشروعيّة التقية ، وانّ صاحبها لا يؤاخذ بشيءٍ ما دام مكرهاً عليها ، وقد مرّ في كلام ابن العربي المالكي ما له علاقة بهذا الحديث ودلالته على التقية في تفسيره للآية الثانية ، فراجع.
٣ ـ الحديث المروي عن ابن عمر (ت / ٦٥ ه) ، عن النبيّ (ص) أنّه قال : «المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (١).
ولا تخفى ما في مخالطة الناس من امور توجب المداراة ، التي تدخل من هذا الباب في حقل التقية.
٤ ـ أخرج الهيثمي (ت / ٨٠٧ ه) من طريق إبراهيم بن سعيد ، عن النبيّ (ص) أنّه قال : «كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة؟ وشبّك بين أصابعه. قالوا : كيف نصنع؟ قال : اصبروا وخالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم بأعمالهم» (٢).
ولعمري ، هل هناك أصرح من هذا بالتقية؟ وكيف تكون مخالقة حثالة الناس بأخلاقهم ، ومخالفتهم في أعمالهم من غير تقية؟
٥ ـ حديث ابن عمر عن النبيّ (ص) أنّه قال : «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه ، قال : قلت : يا رسول الله كيف يذلّ نفسه؟ قال : يتعرّض من البلاء لما لا يطيق» (٣).
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١٣٣٨ : ٢ / ٤٠٣٢ ، والسنن الكبرى / البيهقي ٨٩ : ١٠ ، ورواه البيهقي من طريق آخر بلفظ : (أفضل) مكان (أعظم أجراً) ، ومثله في حلية الأولياء / أبو نعيم ٦٢ : ٥ و ٣٦٥ : ٧ ، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي ٣٥٩ : ١٠ رواه عن البغوي.
(٢) كشف الأستار / الهيثمي ١١٣ : ٤ / ٢٣٢٤.
(٣) م. ن ١١٢ : ٤ / ٢٣٢٣.