ولهذا فإنّ ما نذكره من تقية أبي يوسف في الإفتاء ، وإن كنّا لا نعلم نوع الإكراه عليها ، إلا أنّها محمولة على الإكراه المبيح لذلك إن شاء الله ، وإن كان ظاهر بعض فتاويه في نظر حاسديه لا تستوجب مخالفة للشرع الحنيف.
ومن تقيّته في الفتيا ، ما توضّحه المواقف التالية :
الموقف الأوّل : مع المهدي العبّاسي.
ذكر السيوطي (ت / ٩١١ ه) انّ الرشيد قد أحبّ جارية من جواري المهدي ، فراودها عن نفسها ، فامتنعت وبيّنت له أنّ أباه قد طاف بها ، ولكن الرشيد قد هام بها حبّاً ، فأرسل إلى أبي يوسف فأفتاه فيما رغب (١).
الموقف الثاني : مع هارون الرشيد.
وذكر السيوطي أيضاً ، انّ هارون الرشيد دعاه مرّة في الليل ، فأفتاه بما يوافق هواه ، فأمر له بمائة ألف درهم (٢).
الموقف الثالث : مع امّ جعفر البرمكي.
روى الخطيب البغدادي (ت / ٤٦٣ ه) بسنده عن أبي عبد الله اليوسفي قال : «إنّ امّ جعفرٍ كتبت إلى أبي يوسف : ما ترى في كذا وكذا ، وأحبّ الأشياء إليّ أن يكون الحقّ فيه كذا؟ فأفتاها بما أحبّت ، فبعثت إليه بحُق فضة فيه حُقاق فضة مطبقات في كلّ واحدة لون من الطيب ، وفي جام دارهم وسطها جام فيه دنانير ..» (٣).
__________________
(١) تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٩١.
(٢) م. ن : ٢٩١.
(٣) تاريخ بغداد ٢٥٢ : ١٤.