على أنّ القرآن الكريم قد أشار إلى تقيتهم بعد بعثهم من رقدتهم التي جعلها الله تعالى آية للعالمين ... حيث قال قائل منهم : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً).
قال الرازي الشافعي (ت / ٦٠٦ ه) : «وقوله : (وَلْيَتَلَطَّفْ) : أي : يكون ذلك في سرّ وكتمان ، يعني : دخول المدينة وشراء الطعام (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) أي : لا يخبرن بمكانكم أحداً من أهل المدينة» (١).
وقال القرطبي المالكي (ت / ٦٧١ ه) : «(وَلْيَتَلَطَّفْ) : أي في دخول المدينة وشراء الطعام (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) أي : لا يخبرن ، وقيل : إن ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما وقع فيه ، (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ). قال الزجّاج : معناه : بالحجارة ، وهو أخبث القتل ، وقيل : يرموكم بالسبّ والشتم ، والأوّل أصحّ ، لأنّه كان عازماً على قتلهم كما تقدّم في قصصهم».
ثمّ بيّن في المسألة السادسة من مسائل هذه الآية حكم الوكالة إذا اقترنت بالتقية كما في توكيل أهل الكهف صاحبهم بشراء الطعام مع إيصائه بأن يتّقي قومه بإخفاء سرّه ما استطاع فقال ما نصّه : «في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أنّ الوكالة إنّما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من خوف على أنفسهم ، وجواز توكيل ذوي العذر متّفق عليه» (٢).
وبعد فلا حاجة للإطالة في إيراد أقوال المفسّرين بمعنى قوله : (وَلْيَتَلَطَّفْ) فقد اتّفق جميع المفسّرين على القول بأنّ المراد من ذلك هو
__________________
(١) التفسير الكبير / الرازي ٢١ / ١٠٣.
(٢) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ٣٧٦ : ١٠ ٣٧٧.