موقفهم منها كموقف مؤمن آل فرعون ، حين شافه فرعون بالحقّ وترك التقية بعد أن كان عليها.
ويدلّ عليه ما ذكر أبو السعود العمادي التركي المفسّر (ت / ٩٨٢ ه) قال : «ونبؤهم حسبما ذكره محمّد بن إسحاق بن يسار أنّه قد مرج أهل الإنجيل ، وعظمت فيهم الخطايا ، وطغت ملوكهم. فعبدوا الأصنام ، وذبحوا للطواغيت. وكان ممّن بالغ في ذلك ، وعتا عتوّاً كبيراً دقيانوس ، فإنّه غلا فيه غلوّاً شديداً ، فجاس خلال الديار والبلاد بالعبث والفساد ، وقتل من خالفه من المتمسّكين بدين المسيح عليهالسلام ، وكان يتّبع الناس فيخيّرهم بين القتل وعبادة الأوثان» (١).
ومن هنا يُفهم أنّ تقية أصحاب الكهف قبل قولهم هذا كان فيها من مجاهدة النفس الشيء العظيم ، لأنّ ما يُكره عليه المسلم مثلاً من مسلم آخر ، فهو في أغلب الأحوال لا يكون مثل ما يُكره عليه المسلم من كافر. بل وما يكره عليه المسلم من قِبل الكافر مرّة واحدة أو مرّات ، لا يقاس بمعاناة الفتية الذين آمنوا بربّهم ، وقضوا جُلَّ حياتهم بين قوم عكفوا على عبادة الأوثان.
أقول : ولهذا ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام (ت / ١٤٨ ه) من طرق الشيعة الإمامية أنّه قال : «ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف ، إن كانوا ليشهدون الأعياد ، ويشدّون الزنانير ، فأعطاهم الله أجرهم مرّتين» (٢).
وكيف لا يشدّون الزنّار على وسطهم ، وهم في أوساطهم؟ وكيف لا يشهدون أعيادهم ، وهم من أعيانهم؟
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢٠٩ : ٦ ، ومثله في معالم التنزيل / البغوي ٥٤١ : ٣.
(٢) اصول الكافي ١٧٤ : ٢ ١٧٥ / ١٤ و ١٩ كتاب الإيمان والكفر ، باب التقية.