دم يهودي ولا ذمّي ، ولو قدرت على مقاتل بن سليمان في موضع لا يراني فيه أحد لقتلته» (١).
٥٦ ـ تقية الإمام أبي حنيفة النعمان (ت / ١٥٠ ه) :
حرص الإمام أبو حنيفة على الابتعاد عن العبّاسيّين طيلة حياته ، لما عرفه من ظلمهم واضطهادهم العلماء وحملهم على ما يكرهون ، ولهذا لا نجد في سيرة الإمام تقرّباً إلى السلاطين والحكّام ، ولقد كلّفه ذلك ثمناً باهضاً ، إذ استدعي مرّات ومرّات ، وحبس وضرب على كبر سنّه ولم يتغيّر موقفه في عدم التقرّب إلى الولاة والحكّام. ولكن قد أجبرته السلطة حينذاك أن يتّقيهم كرهاً لينجو بنفسه من تعسّفهم واضطهادهم ، ولم يكن الإمام أبو حنيفة مبتدعاً في تقيّته ، فقد اتّقى قومه من هو أفضل الأنبياء والمرسلين (ص) ، ولفيف من الصحابة والتابعين قبله ، وفيما يأتي نورد جملة من المواقف التي حملته كرهاً على التقية ، وهي :
الموقف الأوّل مع ابن هبيرة :
كان يزيد بن عمر المعروف بابن هبيرة (ت / ١٣٢ ه) من ولاة آخِر الامويّين مروان بن محمّد (ت / ١٣٢ ه) على البصرة والكوفة. وقد حاول ابن هبيرة استقطاب العلماء لتقوية مركزه ، ومنهم أبي حنيفة ، وقد لبّى أصحاب أبي حنيفة دعوة ابن هبيرة كما سيأتي في تقيّتهم ، إلا أنّ أبا حنيفة رفض أن يكون جسراً لرغبات ابن هبيرة ، ولهذا حاول ابن هبيرة أن ينزل أكبر الأذى به ، ويتنحل عذراً ليكون مبرّراً لقتله ، فدسّ إليه رجلاً وأبو حنيفة في طريقه إلى
__________________
(١) تهذيب التهذيب ٢٥١ : ١٠ في ترجمة مقاتل بن سليمان.