[مذهب القائلين إنّ إعجاز القرآن كونه قديما]
فأمّا المعتقدون بقدم القرآن ، والجاعلو وجه إعجازه كونه قديما ، أو عبارة عن الكلام القديم وحكاية له (١) فإنّ الأدلّة الّتي نصبها الله تعالى على حدث القرآن تقضي ببطلان قولهم ، وهي مذكورة في غير موضع.
وكيف يكون القرآن قديما ، وهو حروف وأصوات تكتب وتتلى وتسمع [و] جائز عليه التجزّي والانقسام ، ذو أوّل وآخر؟! وكلّ هذه الصّفات ممّا لا يجوز على القديم ، ولا يختصّ بها إلّا المحدث.
على أنّ القرآن من الكلام المفيد ، والكلام لا يفيد إلّا بأن يحدث بعضه في إثر بعض ، ويتقدّم بعضه على بعض ؛ لأنّ قول القائل : «دار» لو لم يتقدّم الدال على الألف ، والألف على الراء ، لم يكن بأن يسمع «دارا» بأولى من أن يسمع «رادا».
وهذا يبيّن أنّ الكلام إذا وجدت حروفه كلّها معا ، ولم يكن لبعضها على بعض تقدّم في الوجوه لم يكن مفيدا.
وبعد ، فإنّ القديم تعالى متكلّم بالقرآن ، وهذه الإضافة تقتضي أنّه فاعل له ؛ لأنّ الكلام إنّما يضاف إلى المتكلّم منّا من حيث فعله.
__________________
(١) إشارة إلى مذهب أهل الحديث والأشاعرة.