وهذا المذهب إنّما يكون منفصلا ممّا تقدّم من المذهبين إذا عنى الذاهبون إليه بنظم القرآن طريقته في النظم التي بان بها (١) من الشّعر المنظوم وضروب الكلام المنثور (٢). كما نقول إنّ نظم الشّعر مفارق لنظم الخطب ، ونظم الخطب مخالف لنظم الرّسائل ، ولا نعني بذلك الفصاحة ، ولا ما يتعلّق بالمعاني.
فأمّا إن هم عنوا بذلك الفصاحة ، أو ما يرجع إلى معنى الفصاحة ، بطل تمييز مذهبهم ممّا حكيناه ولحق بالمذهب الأوّل إن ذهبوا إلى أنّ تعذّره لفقد العلم لا لفقد القدرة ، وبالمذهب الثّاني إن ذهبوا إلى استحالته على كلّ وجه ، على حدّ ما حكاه البلخيّ عن نفسه وأصحابه.
[إعجاز القرآن في إخباره عن الغيوب]
وأمّا من جعل وجه إعجازه اختصاصهم بالإخبار عن الغيوب :
فإنّ قولهم يصحّ إذا ذهبوا إلى أنّ ذلك أحد وجوه جملة إعجاز القرآن ، وضرب من ضروب دلائله على النّبوّة ؛ لأنّا لا ندفع هذا ولا ننكره ، وهو من وجوه دلائل القرآن المذكورة ، وجهات إعجازه الصّحيحة.
فأمّا إن أرادوا اختصاصه بالإخبار عن الغيوب هو الوجه الّذي كان منه معجزا أو دالّا ، وأنّه لا يدلّ من غيره على النبوّة ، وأنّ التحدّي به وقع دون ما عداه ؛ فذلك يبطل من وجوه (٣).
__________________
(١) في الأصل : أنّها ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : المنثورة ، والظاهر ما أثبتناه.
(٣) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٢ : «وأمّا من ذهب في جهة إعجاز القرآن إلى ما تضمّنه [من] الإخبار عن الغيوب ، وهذا بلا شكّ وجه من وجوه إعجاز جملة القرآن ، وضروب من آياته ، والأدلّة على أنّه من الله تعالى ، وليس الوجه الذي قصد بالتحدّي ، وجعل العلم المعجز».