أوّلها : أنّه يوجب أنّ في سور القرآن ما ليس بمعجز ولا يتحدّى به ؛ لأنّ كثيرا من السّور غير متضمّن للإخبار عن الغيوب. وقد علمنا أنّ التحدّي وقع بسورة من عرضه غير معيّنة ، وأنّه لم يتوجّه إلى ما يختصّ من السّور بالإخبار عن الغيب دون غيرها (١).
وثانيها : أنّ التحدّي لو وقع (٢) بذلك لكان خارجا عن عرفهم ، وواقعا على خلاف عادتهم. وقد بيّنا فيما مضى أنّ التحدّي لم يكن إلّا بما ألفوه وجرت عاداتهم في تحدّي بعضهم بعضا به.
وثالثها : أنّ أخبار القرآن على ضربين :
منها : ما هو خبر عن ماض ، كالأخبار عن الأمم السّالفة ، والأنبياء المتقدّمين.
ومنها : ما هو خبر عن مستقبل كقوله ، تعالى :
(لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) (٣)
وقوله : (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٤)
وما أشبه ذلك من الأخبار عن الاستقبال الّتي وقعت ، غير أنّها وقع الخبر عنها (٥).
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٢ : «والذي يبطل هذا أنّ كثيرا من القرآن خال من خبر بغيب ، والتحدّي وقع بسورة غير معيّنة».
(٢) في الأصل : وقع لو وقع.
(٣) سورة الفتح : ٢٧.
(٤) سورة الروم : ١ ـ ٣.
(٥) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٣ : «وأيضا ، فإنّ الإخبار عن الغيوب في القرآن على ضربين : خبر عن ماض ، وخبر عن مستقبل. فالأوّل : إخبار عن أحوال الأمم السالفة. والثاني : مثل قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ...) ، وقوله تعالى :