وأجاب عن ذلك : بأنّه تعالى قد مكّن من إزالة الشّبه (١) ، بما نصب من الأدلّة ، ولو مكّن في المعجز ممّا سئل عنه ، لم يكن للمكلّف طريق إلى غير تمييز المعجز ممّا ليس بمعجز ، والحجّة من الشّبهة.
الكلام عليه
يقال له : نحن نسلّم لك أنّ القرآن نفسه يصحّ كونه معجزا ودالّا على صدق من ظهر عليه ، لكن إنّما نعلم ذلك فيه متى علمنا أنّ الله تعالى هو الّذي خصّ به مدّعي النّبوّة. وسنبيّن فيما يأتي ما يصحّ أن يكون الطريق إلى العلم بما ذكرناه.
فأمّا التّسوية بين إظهار المعجز على الكذّاب ، من حيث كان دلالة التّصديق وقائما مقامه ؛ فإذا لم يجز أن يصدّق الكذّاب قولا ـ لأنّ تصديقه قبيح ـ لم يجز أن يفعل ما يجري مجراه ويقوم مقامه ، وليس في تمكين الكذّاب منه دلالة على تصديقه.
على أنّ هذا القول يقتضي أن يكون التمكين من الشّيء يجري مجرى فعله ، ويجب على من اعتمده أن يمنع من تمكين الله تعالى من فعل القبيح وسائر ضروب الشّبهات ، كما يمنع من أن يفعل ذلك. وإلّا فإن جاز أن يمكّن من القبيح والشّبهات ولم يجز أن يفعلهما ، جاز أيضا أن يمكّن الكذّاب من تناول المعجز وادّعاء النّبوّة به.
__________________
يفعلها؟ فهلّا جاز القول بأنّه تعالى لا يظهر ذلك على المتنبّي ، ويمكّن المتنبّي منه بأن يقتل الرّسول الذي ظهر عليه ، ويدّعيه معجزة لنفسه ، أو يلقيه إلى من يدّعيه معجزة لنفسه؟».
(١) في الأصل : الشبهة ، والأنسب ما أثبتناه من المغني.