فاذكروا ما الّذي أمن العرب من أن يكون الجنّ فعلته ـ مع تجويزها أن يكون مقدورا ـ حتّى عدلت من أجله عن المواقفة؟ وأشيروا إليه بعينه ؛ فإنّ هذا ممّا لا يحسن أن يقع الحوالة به على العرب ، فإنّ حالهم فيه إن لم ينقص عن حال النّظّارين المتكلّمين ، لم يزد! وما فينا إلّا من يجوّز أن يخطئ العرب ومن هو أثبت معرفة من العرب في مثل هذا ، ويعتقد فيه خلاف الحقّ (١). فيعود الكلام إلى أنّ الجواب عن السّؤال يجب أن يذكر بعينه ، ليقع النظر فيه والتّصفّح له ، ويكون الحكم على صحّته أو فساده بحسب ما يوجبه النّظر. وأنّ (الحوالة في وقوعه) (٢) على غائب لا تغني شيئا.
طريقة أخرى
وممّا يمكن أن يقال في السّؤال الذي ذكرناه :
إنّ تجويز كون القرآن من صنع الجنّ وما ألقته إلينا ـ طلبا لإدخال الشّبهة ـ يؤدّي إلى الشّكّ في إضافة الشّعر إلى قائليه والكتب إلى مصنّفيها ، وجميع الصنائع إلى صنّاعها! وكنّا لا نأمن أن يكون الشّعر المضاف إلى امرئ القيس ليس له ، وإنّما هو من قول بعض الجنّ ألقاه إليه لبعض الأغراض ، وأن يكون امرؤ القيس من أعجز النّاس عن قول الشّعر ، وأبعدهم عن نظمه ورصفه! وكذلك «الكتاب»
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٣ : «على أنّهم إذا جعلوا ترك المواقفة دليلا على أمان العرب من أن يكون القرآن من فعل الجنّ ، فإنّا نقول لهم : ما الّذي أمنت العرب من أن يكون القرآن من فعل الجنّ ، حتى أمسكت لأجله عن المواقفة؟ أشيروا إليه بعينه حتّى نعلمه ، وتكون الحجّة به قائمة إن كان صحيحا ، فإنّ هذا ممّا لا يحسن الحوالة به على العرب ، وحال المتكلّمين فيه أقوى ، وهم إليه أهدى!!».
(٢) في الأصل : أحواله في وقعه ، والمناسب ما أثبتناه.