فصل
في أنّ معارضة القرآن لم تقع لتعذّرها
آكد ما يدلّ على أنّ الفعل متعذّر على الفاعل ألّا يقع منه ، مع توفّر دواعيه إليه.
وعلى هذه الطريقة يعتمد في أنّ الألوان وما جرى مجراها من الأجناس غير مقدورة لنا ، وفي الفصل بين القادر ومن ليس بقادر ، والعالم ومن ليس بعالم ؛ لأنّ دواعي أحدنا إذا قوي إلى جنس الفعل فلم يقع حكمنا بتعذّره :
فان كان تعذّره مع ارتفاع سائر الموانع ، حكمنا بأنّه غير مقدور لمن تعذّر عليه.
وإن كان هناك مانع ، لم يدلّ التعذّر على ارتفاع القدرة ، بل جوّزنا أن يكون تعذّره للمانع مع كونه مقدورا.
وإن كان الّذي تعذّر هو وقوع الفعل على بعض الوجوه دون جنسه ، نظرنا أيضا ، فإن تعذّر مع كمال الآلات وارتفاع الموانع ، حكمنا بأنّ تعذّره لارتفاع العلم ، وإلّا جوّزنا أن يكون التعذّر لبعض الموانع ، أو لفقد بعض الآلات ، مع كون من تعذّر عليه عالما ، فمن قدح في هذه الطّريقة لم يمكنه أن يعلم شيئا ممّا ذكرناه.
وإذا صحّت هذه الجملة ، ووجدنا العرب الّذين تحدّوا بالقرآن لم يعارضوه ـ مع توفّر دواعيهم إلى المعارضة وكثرة بواعثهم عليها ، ومع أنّهم لم يعارضوا عدلوا