إلى أمور يشقّ فعلها ، ويثقل تحمّلها ، كالحرب وما في معناها ممّا لا يصلون به ، وإن تناهوا فيه ، إلى غرضهم على الحقيقة ـ وجب القطع على تعذّر المعارضة ، وصار عدولهم إلى الأمر الشّاقّ المتعب الّذي لا يوصل إلى المراد مع تركهم السّهل (الذي لا كلفة [فيه] وهو موصل إلى المراد) (١) موردا لدلالة التعذّر ، موضحا لطريقها.
وإن كان انصرافهم عن المعارضة ـ مع توفّر الدّواعي ـ كافيا في العلم بتعذّرها لو لم يتجشّموا ، مع الانصراف عنها فعلا شاقّا ، وجرى ذلك مجرى من له غرض يصل إليه بفعل لا كلفة عليه فيه ولا مشقّة ، فعدل عنه إلى تكلّف ما يشقّ ويتعب ولا يوصل إلى الغرض المطلوب ، مع ارتفاع الشّبهة عنه في الأمرين. ولا شكّ في أنّ من هذه حاله يجب القطع على أنّ ما به يصل إلى غرضه متعذّر عليه.
واعلم أنّ جميع ما يورده المخالفون من الشّبه في هذا الباب يرجع إلى أصل واحد وإن كثرت ، وهو القدح في توفّر الدّواعي إلى المعارضة.
وأنت متى تأمّلت ما يتعلّقون به من الشّبه وجدته لا يخرج عمّا ذكرناه ؛ لأنّهم ربّما نازعوا في أصل ما ادّعيناه من قوّة الدّواعي إلى المعارضة ، وقالوا : من أين لكم أنّ الأمر على ما ادّعيتموه؟ وطالبوا بالدّلالة عليه على سبيل الجملة.
وربّما قالوا : جوّزوا أن يدخل على القوم في ذلك شبهة من غير تعيين لها ؛ فإنّهم لم يكونوا من أهل الجدل والنّظر ، ولو كانوا أيضا من أهلها كان دخول الشّبهات عليهم ممكنا غير ممتنع ، لأنّه لا سبيل لكم إلى ادّعاء معرفة ضروريّة تعمّ العقلاء بأنّ المعارضة أولى من غيرها. وإذ كان المرجع إلى الاستدلال ، جاز دخول الشّبه فيه.
__________________
(١) وردت هذه العبارة في الأصل بعد قوله السابق : لا يوصل إلى المراد ، وقد وضعناها في سياقها المناسب.