وربّما عيّنوا الشّبهة الّتي يدّعون دخولها على القوم وأشاروا إليها ، فقالوا : لعلّهم اعتقدوا أنّ المعارضة لا تبلغ في قطع المادّة وحسم الأمر مبلغ الحرب ، فعدلوا إلى الحرب ، لأنّها سبب الرّاحة.
وربّما قالوا : لا يمنع أن يكونوا عدلوا عن المعارضة ظنّا منهم بأنّ الخلاف يقع فيها ، ويتنازع النّاس أمرها (١) ، فيقول قوم : قد أصيب بها موضعها ، ويأبى ذلك آخرون ، ويتردّد فيها من الكلام والخوض ما تشتدّ معه الشّوكة ، وتقوى العدّة ، ويقضي الأمر إلى الحرب ، فقدّموها.
وربّما قالوا : لعلّ المثل الّذي دعاهم إلى الإتيان به أشكل عليهم ، ولم يعلموا هل المراد به المماثلة في الفصاحة ، أو في التكلّم ، أو فيهما ، أو في الإخبار عن الغيوب؟ فعدلوا عن المعارضة لهذا الإشكال إلى الحرب.
وربّما قالوا : جوّزوا أن يكونوا تركوا المعارضة ، لأنّهم علموا فضل المأثور من كلامهم وأشعارهم على ما أتى به في الفصاحة والبلاغة ، وظهور ذلك للفصحاء على وجه لا يقع فيه إشكال.
ورأوا أنّ تكلّف المعارضة ـ مع ظهور الحال ـ لا معنى له ، كما يفعل الحصفاء (٢) بمن يتحدّاهم ويقرّعهم بالعجز عن المشي والتّصرّف في حال مشيهم وتصرّفهم ؛ فإنّهم لا يكادون يستعملون مع من هذه حاله شيئا من المحاجّة والمواقفة ، بل يكون الإمساك عنه أحرى ما عومل به.
وربّما قالوا : لعلّ الّذين كانوا يتمكّنون من معارضته جماعة من جملة العرب واطأته على إظهار المعجز ، لتشاركه فيما يتمّ له.
وليس تخرج هذه الشّبهة أيضا عمّا حصرناه من الأصل وقلنا : إنّ مرجع
__________________
(١) في الأصل : أمرهما ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) الحصيف : الرجل المحكم العقل.