[في صرف الله تعالى العرب عن المعارضة]
وممّا يدلّ على أنّ الله تعالى صرف فصحاء العرب عن معارضة القرآن ، وحال بينهم وبين تعاطي مقابلته :
أنّ الأمر لو كان بخلاف ذلك ـ وكان تعذّر المعارضة المبتغاة والعدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة وتجاوزه له في الجزالة ـ لوجب أن تقع منهم على كلّ حال ؛ لأنّ العرب الّذين خوطبوا بالتّحدّي والتّقريع ، ووجهوا بالتّعنيف كانوا متى أضافوا فصاحة القرآن إلى فصاحتهم وقاسوا كلامه بكلامهم علموا أنّ المزيّة بينهما إنّما تظهر لهم دون غيرهم ممّن نقص عن طبقتهم ونزل عن درجتهم ، ودون النّاس جميعا ممّن لا يعرف الفصاحة ولا يأنس بالعربيّة.
وكان ما عليه ذوو المعرفة بفصيح الكلام من أهل زماننا ـ من خفاء الفرق عليهم بين مواضع من القرآن وبين فقر العرب البديعة وكلمهم العربيّة ـ سابقا عندهم ، متقرّرا في نفوسهم ، فأيّ شيء قعد بهم عن أن يعمدوا (١) إلى بعض أشعارهم الفصيحة وألفاظهم المنثورة البليغة فيقابلوه به ، ويدّعوا أنّه مماثل لفصاحته وزائد عليها ، لا سيّما وخصمنا في هذه الطّريقة يدّعي أنّ التحدّي وقع
__________________
(١) في الأصل : يعتمدوا ، والمناسب ما أثبتناه.