فإذا كانت من فعل الله تعالى لم تدلّ على اختصاصه بالعلم الخارق للعادة الّذي ذكرناه ، فقلنا : إنّ من أجله تمكّن من الصّدق عمّا يحدّث ، بل يكون المعجز في هذا الموضع هو إنزال الخبر إليه واطّلاعه قبل أحد من البشر عليه ، فقد حصل خرق العادة به لا محالة في هذا الوجه. وإذا كان من فعله عليهالسلام فهو دالّ على العلم الّذي أشرنا إليه ، والمعجز هاهنا هو العلم ؛ لأنّه الّذي خرق العادة.
والذي أنكرناه في صدر الكلام أن يكون الوجه الّذي منه لزم العلم بصدق النّبيّ صلىاللهعليهوآله في الابتداء هو تضمّن القرآن للإخبار عن الغيوب ، أو أن تكون جهة إعجازه مقصورة على ذلك دون غيره.
فأمّا إذا قيل بأنّ هذه الجهة من إحدى جهات الإعجاز ، ورتّب الاستدلال بهذا الترتيب الّذي ذكرناه ؛ فذاك الصّحيح الّذي لا يمكن دفاعه.
[إعجاز القرآن في نفي الاختلاف عنه]
وأمّا من ذهب إلى إعجازه من حيث زال عنه الاختلاف والتناقض (١) ، واعتلّ لقوله بأنّ العادة لم تجر بأن يسلم الكلام الطويل ـ مع سرد القصص فيه والأخبار ـ من ذلك ، وأنّ في سلامة القرآن منه دلالة على أنّه من فعل الله تعالى.
والصّحيح الّذي لا إشكال فيه أنّ سلامة القرآن ـ مع تطاوله ، وتكرّر القصص
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٣ ـ ٤٠٤ : «وأمّا من ذهب في إعجازه إلى زوال الاختلاف عنه والتناقض مع طوله ، وادّعى أنّ ذلك ممّا لم تجر العادة في كلام طويل بمثله.
والذي يبطل قوله : إنّه لا شبهة في أنّ ذلك من فضائل القرآن ومن آياته الظاهرة ، لكنّه لا ينتهي إلى أن يدّعى أنّه وجه إعجازه وأنّ العادة انخرقت به ؛ لأنّ الناس يتفاوتون في زوال الاختلاف والتناقض عن كلامهم. وليس يمتنع أن يزول عن الكلام ذلك كلّه ، مع التيقّظ الشديد والتحفّظ التامّ. فمن أين لمدّعي ذلك أنّ العادة لم تجر بمثله؟».