فيه وضرب الأمثال ـ من الاختلاف أو التناقض (١) يدلّ على فضيلة عظيمة ورتبة جليلة ، ومزيّة على المعهود من الكلام ظاهرة ؛ فأمّا أن ينتهي إلى الإعجاز وخرق العادة ، فبعيد ولا برهان لمدّعيه عليه ؛ لأنّا قد وجدنا النّاس يتفاوتون في السّلامة من هذه الأمور المذكورة تفاوتا شديدا ؛ ففيهم من يكثر في كلامه الاختلال والاضطراب ويغلب عليه ، وفيهم من يتحفظ فقلّ ذلك في كلامه.
فليس بمنكر أن يزيد بعضهم في التحفّظ والتصفّح لما يورده ، فلا يعثر منه على تناقض (٢).
وليس يمكن أحدا أن يدّعي أنّ التحفّظ وإن اشتدّ ، والعناية وإن قويت ، فإنّ المناقضة والاختلاف غير زائل ؛ فإنّه متى ادّعى هذا تعذّر عليه إيراد شبهة تعضد دعواه ، فضلا عن برهان.
ولو قيل لمن سلك هذه الطريقة : أرنا أوّلا ـ قبل أن ننظر فيما يمكن من الكلام المستأنف ، أو لا يمكن ـ أنّ جميع ما تنوّق فيه الحكماء من كلامهم ، وروّوا فيه من أمثالهم قد لحق جميعه التناقض والاختلاف ، حتّى أنّه لو لم يسلم شيء منه من ذلك لظهر بطلان قوله من قرب.
فإن قيل : أليس من البعيد أن يسلم الكلام الطويل بما ذكرناه؟
قيل : لسنا نشكّ في بعد ذلك ، وإنّما كلامنا على القطع على تعذّره وإلحاقه بما يخرق العادات ؛ فأمّا بعده فقد سبق إقرارنا به.
فإن قالوا : فقد قال الله عزوجل : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٣) ، وهذا نصّ صريح لصحّة ما ذهبنا إليه (٤).
__________________
(١) في الأصل : تناقض ، والأنسب ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : تناقضه ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) سورة النساء : ٨٢.
(٤) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٤ : «فأمّا قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ