قيل لهم : إنّما علمنا بهذا القول أنّه لو كان من عند غيره لوجد فيه اختلاف كثير ، وقد تقدّم لنا العلم بكونه صدقا ودليلا ، من طريق ليس هو اعتبار زوال الاختلاف والتّناقض عنه. وكلامنا إنّما هو على من جعل وجه إعجازه وكونه دليلا زوال الاختلاف عنه ، وظنّ أنّه : (يركن من استدراك) (١) (٢) ، وكذلك من جهة العادة واعتبارها. فليس القطع إذا ـ على ما ذكروه من طريق السّمع ـ بقادح في طريقنا.
والكلام على من جعل إعجازه صحّة معانيه واستمرارها على النظر وموافقتها للعقل ، يقرب من الكلام على من اعتبر زوال الاختلاف والمناقضة ؛ لأنّ كلّ ذلك إنّما يدلّ على الفضيلة وعلوّ المنزلة ، ويشهد بأنّ فاعله حكيم عليم. والإعجاز وخرق العادة غير هذا.
ولو لم يصرف الله تعالى العرب عن معارضة القرآن لبطل الإعجاز عندنا ، ولم يخرج القرآن من أن يكون على الصّفات الّتي ذكروها من صحّة المعاني ، وموافقة العقل.
وكذلك لو سلبه الله تعالى القدر من الفصاحة الّتي بان بها من الفصيح المعتاد ـ عند من ذهب إلى ذلك فيه ـ لوجب فيه جميع ما ذكروه من الصّفات ، ولاستحال خروجه عنها.
وهذا يكشف عن أنّ هذه المعاني إنّما وجبت فيه ، من حيث كان كلاما
__________________
غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فإنّما هو جهة ؛ لعلمنا بالقرآن [انّه] لو كان من عند غيره لكان فيه اختلاف ، وإنّما رددنا على من قال : إنّي أعلم ذلك بذلك قبل العلم بصحّة القرآن ، وجعله وجه إعجازه».
(١) في الأصل : استدراك غير منقوطة ـ وهي غير مفهومة.
(٢) كذا في الأصل.