تدّعون الإحاطة بذلك في الإنس ـ فلعلّ بعضهم صنع هذا الكتاب وأظهره على يد من ظهر من جهته!
وبعد ، فإنّ القطع على وجود الجنّ ليس موقوفا على شريعتنا كما ظنّوه ، بل هو موجود في شريعة اليهود والنّصارى والمجوس والمانويّة. وجميع طوائف الثّنويّة تعتقد أيضا وجودهم ، فشهرة ذلك ـ فيمن ذكرناه ـ تغني عن إقامة دلالة عليه.
وفي الجملة ، فإنّ من كان يثبت الجنّ ـ من طوائف النّاس ـ قبل شريعتنا ، أكثر ممّن كان ينفيهم ، فكيف يدّعي أنّ إثباتهم موقوف على شريعتنا ، لو لا الغفلة؟!
طريقة أخرى
وممّا قيل في الجواب عمّا أوردناه :
إنّ القرآن لو كان من فعل الجنّ لم يخل من أن يكون من فعل عقلائهم ، أو من فعل ذوي النّقص منهم ؛ فإن كان من جهة ناقصيهم ومن ليس بكامل العقل منهم ، فيجب أن يظهر فيه الاختلال والتّفاوت ؛ لوجوب ظهور ذلك في أفعال ذوي النّقص.
وإن كان من فعل العقلاء لم يخل أن يكون فعله المؤمنون منهم ، أو الكفّار الفاسقون.
وليس يجوز أن يكون فعلا للمؤمنين ، والمقصود به التلبيس على المكلّفين والإضلال لهم ، وإدخال الشّبه عليهم.
ولو كان من فعل كفّارهم لوجب أن يعارضه المؤمنون ، ويتولّوا إظهار مثله على يد من يزيل عن النّاس الشّبهة به ، وذلك من أكبر قربهم إلى الله تعالى.
وإذا فسدت كلّ هذه الأقسام بطل أن يكون من صنيع الجنّ على وجه.