المعلوم لنا خلافه ؛ لأنّه عليهالسلام قد نفى أن يكون من كلامه ، وخبّرنا بأنّه لقنه من ملك ، هو رسول الله.
وفي هذا تأكيد الشّبهة على طريقة خصومنا ؛ لأنّ للمخالف أن يقول : اعملوا على أنّي سلّمت أنّه ليس من كلامه ، من أين لكم أنّ الملك الّذي ألقاه إليه وادّعى أنّه رسول الله صادق؟ ولعلّه لم يأت عن أمر الله ولا برسالته ، فيعود الأمر إلى السؤال الّذي ذكرناه في صدر هذا الفصل ، ويحتاج في الجواب عنه إلى غير ما ذكرناه.
طريقة أخرى
وربّما أجاب بعضهم بأن يقول :
إنّما ثبت وجود الجنّ بعد ثبوت نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّا من جهته علمنا وجودهم ، فكيف يصحّ القدح في النّبوّة بما لا يصحّ إلّا بعد صحّتها؟
وهذا في غاية الرّكاكة ؛ لأنّ السّؤال الّذي أوردناه لا يفتقر في لزومه إلى القطع على وجود الجنّ وإثبات كونهم (١) ، بل لو سلّم أنّ جهة العلم بوجود الجنّ هي قول نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وما وردت به شريعتنا لكان الكلام لازما ؛ لأنّ العقل لا بدّ أن يكون مجوّزا لأن يكون لله تعالى خلق هم جنّ ، ولو لا أنّ ذلك جائز في العقل لما صحّ ورود الشّرع به ؛ لأنّ الشّرع لا يرد بإثبات ما يحيله العقل. وإذا جاز ذلك في العقل لزم الكلام.
وقال المخالف : إذا جاز في عقولكم أن يكون لله تعالى خلق غائبون عن أبصاركم ، لا تبلغكم أخبارهم ، ولا تحيطون علما بمبلغ قواهم وعلومهم ـ كما
__________________
(١) أي كينونيّتهم ووجودهم.