الكفّ عن الأمر المطلوب الّذي قويت الدّواعي إلى فعله ؛ فكان يصحّ أن يتعلّق بالصّرفة ، ويراد بها انصرافهم عن المعارضة ، وإن كانت غير مؤثّرة ، دون المعارضة المؤثّرة ، ولأنّ هذه المعارضة يعلم أنّها لا تحصل بما قدّمناه من الأدلّة. لكن ذلك يبعد ؛ لأنّه متى جوّز (١) في انصرافهم عنها أن يكون الوجه فيه الصّرفة ، لم نأمن (٢) أن تكون المعارضة الصّحيحة أيضا (٣) ممكنة ، وإنّما عدلوا عنها للصّرفة التي ذكرناها السّائل. وهذا بيّن فيما أوردناه».
الكلام عليه
يقال له : قد بيّنا في الدليل الثّاني ـ الّذي اعتمدناه في صحّة القول بالصّرفة ـ ما إذا تؤمّل كان مبطلا لما تعلّقت به في هذا الفصل ؛ لأنّا ذكرنا أنّ العرب لو لم يصرفوا عن المعارضة على كلّ وجه يقع معه ضرب من الاشتباه والالتباس ـ سواء كانت المعارضة مماثلة على الحقيقة أو مقاربة ـ لوجب أن يعارضوا بما يدّعون أنّه مماثل ، وإن لم يكن على التّحقيق كذلك ، وأنّهم كانوا بفعلهم هذا قد أوقعوا الشّبهة لكلّ من لم يكن في غاية الفصاحة ، ثمّ لا يفرّق بين ما أتوا به وبين القرآن.
ونحن نعلم أنّ الخلق أجمعين ـ إلّا النفر اليسير منهم ـ لا يفرّقون بين ذلك ، وإنّما يرجعون فيه إلى غيرهم. وإذا كان ذلك الغير الّذي يرجع إليه يدّعي المساواة والمماثلة استحكمت الشّبهة وانسدّ الطّريق إلى العلم بالإعجاز!
وبيّنا أنّهم قد استعملوا من ضروب المكائد وصنوف الحيل ما كان هذا الّذي ذكرناه أوقع منه وأنفع فيما قصدوه ؛ لأنّهم لجأوا إلى أفعال كثيرة لا يدخل على عاقل شبهة في خروجها عن باب الحجّة. وأنّ الضّرورة حملت عليها ، والقصور
__________________
(١) في الأصل : يجوز ، وما أثبتناه من المغني.
(٢) في المغني : يأمن.
(٣) ليست في الأصل.