ثمّ قال صاحب الكتاب (١) :
«فإن قالوا (٢) : لو لا أنّ الّذي لأجله عدلوا عن المعارضة الصّرف الّذي ذكرناه ، كان لا يجب أن يجري أمرهم على حدّ واحد ، مع أنّ فيهم المتقدّم الّذي يعلم باضطرار تعذّر المعارضة عليه ، وفيهم من لا يعلمها كذلك.
قيل لهم (٣) : قد بيّنا أنّ فيهم من جاء بمعارضة ركيكة ، ومن لم يأت بها فلأنّه علم من حالها ما وصفناه ، أو كان في حكم العارف ، أو تابعا للعارف ؛ فلذلك اتّفقوا على العدول عن المعارضة.
وهذا بيّن من حال الجمع العظيم ؛ لأنّهم ينظرون إلى المتقدّم منهم في الرّتبة ، ويقع من جهتهم التأسّي ؛ فلمّا رأى أتباعهم الأكابر قد ضاق ذرعهم بالقرآن ، وعدلوا عن المعارضة إلى الأمور الشاقّة ، تبعوهم في هذه الطّريقة ؛ لعلمهم بأنّهم عن ذلك أشدّ عجزا ؛ فلذلك استمرّت أحوالهم على هذا الوجه ، لا الصّرفة (٤) الّتي ظنّها (٥) السائل.
ولو لا أنّهم علموا أنّ القرآن في أعلى رتبة من الفصاحة الجامعة لشرف اللّفظ وحسن المعنى حتّى بهرهم ذلك ، لقد كان يجوز أن يختلفوا في سائر (٦) المعارضة ، فيكون فيهم من يكفّ ، وفيهم من يحاول ، وفيهم من يأتي بما يزداد علمهم بعظم شأن القرآن عنده (٧) تأكيدا.
لكن الأمر في القرآن لمّا كان على ما ذكرناه ، عدلوا عن المعارضة ؛ لظهور حاله.
ولو لا صحّة ذلك من هذا الوجه ، لقد كان القول بالصّرفة يقوى من حيث لم تجر العادة مع التّنافس (٨) الشّديد ، وتباين الهمم ، وامتداد الأوقات ، بأن (٩) يقع
__________________
(١) المغني ١٦ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨.
(٢) في المغني : قال.
(٣) في المغني : له.
(٤) في الأصل : للصّرف.
(٥) في الأصل : طلبها.
(٦) في الأصل : شأن.
(٧) في الأصل : عندهم.
(٨) في الأصل : التناقض.
(٩) في المغني : أن.