فعل الملك ـ صحيح ، غير أنّ الفرق وإن لم يكن بينهما من هاهنا فهو حاصل بينهما في الدّلالة على الصّدق الّتي هي مقصدنا.
فامّا قولهم في أوّل الكلام : إنّ المراعى خرق العادة ، وظهور ما لو لا صدق المدّعي لم يظهر ؛ فهو المطلوب ، ولكن لا سبيل إليه مع (تجويز أن يقع) (١) التّصديق ممّن لا يؤمن منه فعل القبيح ؛ لأنّ مع التجويز لا نأمن أن يكون المدّعي غير صادق ، وإن ظهر الفعل المخصوص على يده.
وإنّما نأمن ذلك ونقطع على أنّ ظهوره يدلّ على الصّدق وأنّه لو لا صدقه لم يظهر ، إذا علمناه من فعل الحكيم الّذي لا يقع منه القبائح ، جلّ وتعالى علوّا كبيرا.
ونحن نزيد في استقصاء الكلام على هذا الموضع فيما بعد ، فقد تعلّق به صاحب الكتاب الّذي قدّمنا ذكره ، ووعدنا بتتبّعه.
طريقة أخرى
وقد أجيب عنه :
بأنّ العلم حاصل لكلّ عاقل بأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله هو الآتي بهذا القرآن والمظهر له ، على حدّ حصول العلم بوجوده عليهالسلام ، ودعائه إلى الله تعالى ، وتحدّيه العرب بالإتيان بمثل ما أتى به.
وإذا كان ما اعترض به من سؤال الجنّ يوجب رفع العلم الّذي ذكرناه ، وجب اطّراحه. وليس هذا بشيء ؛ لأنّ الّذي وقع العلم به وارتفع الشكّ فيه هو أنّ القرآن لم يسمع إلّا من النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولم يظهر لنا إلّا من جهته.
فأمّا العلم بأنّه من فعله أو أنّه لم يأخذه من غيره ، فليس معلوما (٢) ، بل
__________________
(١) في الأصل : التجويز أنّ وقوع ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٢) في الأصل : معنا ، والظاهر ما أثبتناه.