أحدها : أن يكون خارقا للعادة.
ثمّ أن يكون من فعل الله تعالى.
ثمّ يكون واقعا موقع التّصديق للمدّعي ، قائما مقام القول له : إنّك صادق.
فليس خرق العادة وحده هو المعتبر ؛ لأنّ الإخلال بما ذكرناه من الشّروط ـ مع ثبوت خرق العادة ـ كالإخلال بخرق العادة دون ما ذكرناه؟
ومعلوم أنّ المستدلّ متى لم يقطع على أنّ الله تعالى هو المصدّق له ، فلا بدّ أن يكون مجوّزا وقوع التّصديق من بعض من يجوز منه فعل القبيح ، ولا يؤمن من جهته تصديق الكذّاب ، ومع التجويز لذلك لا يحسن منه تصديق المدّعي ، فضلا عن أن يجب عليه.
ولم يدلّ الفعل الواقع من جهته تعالى على النّبوّة ، إذا كان خارقا للعادة من حيث خرقها فقط ، على ما توهّموه في الجواب ، بل بأن تكامل له الشّرطان جميعا (١).
وقولهم : لا فرق في باب خرق العادة ـ بين أن يكون من فعل الله تعالى أو من
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٨ : «إنّ خرق العادة غير كاف إذا جوّزنا أن يخرقها غير الله تعالى ممّن يجوز أن يفعل القبيح ويصدّق الكذّاب ، وإنّما دلّ خرق العادة من فعله تعالى لأنّنا نأمن فيه وقوعه على وجه يقبح. وإذا كنّا نجوّز على الملائكة ـ قبل العلم بصحّة النبوّة ـ أن يفعلوا القبيح ، فلا يجوز أن يجري تصديقهم لمن يصدّقوه ، وإن خرق العادة ، مجرى ما يفعله الله تعالى من ذلك.
وأيّ فرق بين ما نجوّز فيه أن يكون من فعلنا ، وبين ما نجوّز فيه أن يكون من فعل جنّيّ أو ملك في ارتفاع دلالته على النبوّة؟ وهل كان ما يجوز أن يكون من فعلنا غير دالّ على النبوّة إلّا من حيث جاز أن نفعل القبيح ونصدّق الكذّاب؟ وهذا بعينه قائم فيما نجوّز فيه أن يكون من فعل جنّيّ أو ملك ، وإن خرق العادة إذا جوّزنا أن يخرقها من لا يؤمن منه فعل القبيح».