المعارضة ، لعلمهم بأنّها غير ممكنة ، من حيث باينت فصاحة القرآن جميع فصاحاتهم ، لا للصّرف الّذي يدّعيه من يقول : إنّ المعارضة كانت ممكنة ، وإنّها لم تقع لأنّ دواعيهم صرفت (١) :
فإن قال (٢) : ومن أين أنّ الحال على ما ذكرتم؟
قيل له (٣) : لأمور :
منها : ما نقل عنهم من اعترافهم بمزية القرآن عند المذاكرات ، على ما قدّمنا ذكره.
ومنها : أنّ آية التّحدّي تدلّ على تعذّر مثله (٤) : (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
ومنها : أنّ هذا القول يوجب أنّ القرآن ليس بمعجز (في الحقيقة ، وأنّ صرف هممهم عمّا جرت عادتهم بمثله هو المعجز) (٥) ، ويوجب أن يدلّ القرآن ، لو كان كلاما متوسّطا في الفصاحة ، حتّى يكون حاله في الإعجاز ، وهو كذلك (مثل حاله) (٦) الآن ، لأنّ المعتبر صرف هممهم ودواعيهم ، فالرّكيك (٧) في ذلك والفصيح بمنزلة.
ومنها : أنّ الذي ذكروه يقتضي خروجهم عن العقل ...
ثمّ بيّن أنّ دواعيهم لا يجوز أن تنصرف مع كمال عقولهم.
الكلام عليه
يقال له : وهذا الفصل أيضا ـ وإن كانت وجهته إلى غير مذهبنا ـ فنحن نتكلّم
__________________
(١) راجع تفصيل كلام القاضي عبد الجبّار وأجوبته ونقوضه ، في المغني ١٦ / ٣٢٤.
(٢) المغني ١٦ / ٣٢٥.
(٣) في الأصل : قال لهم.
(٤) في المغني : مثله عليهم.
(٥) زيادة في الأصل ، ليست في المغني.
(٦) في المغني : كحاله.
(٧) في الأصل : والركيك.