ونحن نعلم أنّ القائل إذا قال : «لو تظاهر الخلق بأجمعهم أو تعاونوا على فعل جوهر أو سواد لما وقع منهم» يكون كلامه صحيحا مفيدا لتعذّر وقوع ذلك على أبلغ الوجوه ، ويجرى مجرى أن يقول في عشرة : إنّهم لو تظاهروا وتعاونوا على حمل جبل لما أمكنهم ، وإن كان حمل الجبل مقدورا لهم ، وممكنا على جهة التّفريق (١).
والأوّل غير ممكن ولا مقدور على وجه من الوجوه ، وإنّما حسن القول الأوّل ـ مع استعمال لفظ التعاون فيه ـ للوجه الّذي ذكرناه.
على أنّا قد بيّنا أنّ الله تعالى إنّما منعهم عن المعارضة بأن أعدمهم في الحال العلوم بالفصاحة ، فلن تخرج المعارضة من أن تكون مقدورة ـ وإن كانت متعذّرة ـ لفقد العلوم ، فيجب أن يصحّ استعمال لفظ «التّظاهر» غير مطابق لمذهبنا في تعذّر المعارضة ، للزم صاحب الكتاب وجميع أهل مذهبه مثل ذلك ؛ لأنّه يقول فيما من أجله لم تقع المعارضة مثل قولنا بعينه ، وينسب تعذّرها إلى فقد العلوم بالفصاحة ، كما ننسبه (٢) ، وإن كان الفرق بيننا وبينه أنّا نقول : إنّ القوم أفقدوا العلوم في الحال ، وهو يقول : إنّهم كانوا فاقدين لها في جميع الأحوال ، مستقبلها ومستدبرها ؛ لأنّ العادة لم تجر بحصول كلّ تلك العلوم لهم.
فإن قال : إنّي لم أوجّه كلامي في الفصل نحو مذهبكم ، وإنّما خصصت به من قال : إنّ القوم منعوا عن الكلام جملة.
قيل له : قد علمنا ما قصدته ، وكلامنا الأوّل متناول لغرضك بعينه ، وكلامنا الثّاني إنّما أوردناه استظهارا وبيانا.
ثمّ قال صاحب الكتاب ، بعد أن ذكر أنّ دواعي العرب إنّما انصرفت عن
__________________
(١) في الأصل : الفريق ، والظاهر ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : ينسبه ، وما أثبتناه مناسب للسياق.