يخلو من ألزمنا نفي مزيّته من أن يريد نفيها في باب الدّلالة ، أو التّحدّي ، أو الفصاحة.
وكلّ هذه الوجوه قد تقدّم الكلام على أنّ القرآن ـ وإن لم يكن هو العلم في الحقيقة ـ فغير واجب نفي المزيّة عنه في شيء منها.
فأمّا الآية الّتي تلاها صاحب الكتاب فهي أبعد ما يسأل عنه ويقدح (١) به ؛ لأنّه تعالى أراد أن يخبرنا عن تعذّر معارضة القرآن على الخلق أجمعين ، فنفى ذلك على آكد الوجوه.
ونحن نعلم أنّ مع التظاهر والتعاون ربّما تأتّى ما يتعذّر ، وأنّ الشيء إذا كان متعذّرا وغير متأتّ مع التوازر والتظاهر كان أبعد من التأتّي مع الانفراد ، وكان نفي تأتّيه آكد وأبلغ ؛ فلهذا قال تعالى : (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
وليس في الإخبار عن أنّ المعارضة لا تقع ، وتأكيد نفي وقوعها ـ بما جرت عادة أهل العربيّة بأن يؤكّدوا به بخطابهم ـ دلالة على وجه التعذّر ما هو.
وأكثر ما نستفيد بالآية أنّ المعارضة لا تقع ، وأنّها متعذّرة على كلّ حال ؛ فأمّا من أيّ وجه لم تقع ، وهل تعذّرت لمنع عن الكلام ، أم لفقد علوم ، أو قدر؟ فممّا لا تدلّ عليه الآية.
وقوله : «إنّ المعاونة إنّما تمكن مع القدرة ، ولا تصحّ مع المنع».
صحيح ، لكن لخصمه أن يقول : إنّ الله تعالى لم يرد أنّ المعارضة لا تقع منهم وإن تظاهروا وتعاونوا على فعلها ، وإنّما نفى وقوعها ـ وإن تظاهروا وتعاونوا ـ بما يقدرون عليه من الأفعال في طلبها ، والاحتيال لتمامها ؛ فالتّظاهر لم يعن به إلّا ما هو مقدور ممكن.
__________________
(١) في الأصل : ويقدم ، والظاهر ما أثبتناه.