دعا إلى فعلها ؛ فكيف ذهبوا عن هذا الأمر الغريب الّذي يدخل الشّبهة على أكثر الخلق ، ويشعرهم براءة عهدتهم ، وعلوّ كلمتهم؟!
وليس تتوجّه هذه الطّريقة من حيث ظنّ صاحب الكتاب ؛ لأنّه بنى السّؤال على أنّ المعارضة كان يجب وقوعها ، فمن لم يعلم من جملة القوم تعذّر المعارضة ، وأنّه لا يمتنع أن يختلف حالهم فيكون فيهم من يعلم تعذّرها فلا يعارض ، وفيهم من لا يعلم ذلك فيشتبه عليه الأمر فيعارض.
بل الطّريق الّذي سلكناه في لزوم الكلام أولى ؛ لأنّا بيّنا أنّ القوم مع العلم بتعذّر المعارضة المطلوبة عليهم كان يجب أن يعارضوا بما يقدرون عليه ، ويدعوا المساواة ؛ وإن كان غير بعيد لزوم الكلام من الوجه الّذي سأل نفسه عنه.
وليس قوله في جواز ذلك : «إنّ من لم يكن عارفا بتعذّر المعارضة كان تابعا للعارف» بشيء يعتمد ؛ لأنّا لم نجد من أتى بالمعارضة الرّكيكة اتّبع في الإمساك عنها من عدل عن المعارضة من العارفين المتقدّمين ، بل تعاطاها وإن كان (١) هؤلاء لم يتعاطوها! فألّا وقع من بعض من يشتبه عليه الأمر في إمكان المعارضة وتعذّرها ما يظنّ أنّه بصفة المعارضة المطلوبة؟!
وكيف لم يخالف من عارض الطّبقة الّتي لم تعارض من المبرّزين المتقدّمين إلّا بإيراد معارضة ، لا شبهة على عاقل فضلا عن فصيح ، في أنّها غير واقعة موقعها ، وأنّها من أبعد الكلام عن الفصاحة والجزالة؟!
ونحن نعلم أنّ بعض القوم لو أتى بكلام له حظّ من الفصاحة ورتبة من البلاغة وادّعى به المعارضة لكانت الشّبهة قويّة والارتياب مستحكما ، فكيف خالفوا أكابرهم ومتقدّميهم فيما لا يقع لهم [حيلة] (٢) فيه ، ولا شبهة تدخل على عاقل
__________________
(١) في الأصل : كانوا ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٢) وضعناها لاقتضاء السياق.