بمثله ، ولم يخالفوهم فيما ذكرناه؟! وفيه من ارتفاع الشّبهة ونفوذ الكيد ما أشرنا إليه؟!
وقد بيّنا فيما مضى من الكتاب ـ عند الاعتماد على هذه الطريقة ـ أنّه غير ممكن أن يكون ترك القوم لهذا الضّرب من المعارضة إنّما هو للخوف من تكذيب الفصحاء لهم ، وتهجينهم لفعلهم ، وشهادتهم عليهم بالمكابرة.
فإن قلنا : إن كان الخوف من تكذيب من في جملة النّبيّ صلىاللهعليهوآله من الفصحاء ، فهو غير مانع ممّا ذكرناه من وقوع الشّبهة وتمام الحيلة ؛ لأنّ أكثر ما في هذا الأمر أن يشهد من في جملة النّبيّ صلىاللهعليهوآله بأنّ تلك المعارضة غير صحيحة ولا مؤثّرة ، ويشهد من بإزائهم من الفصحاء ـ وهم أكثر منهم ـ بضدّ ذلك ؛ فتتقابل الأقوال وتتكافأ ، لا سيّما عند من لم تكن الفصاحة صنعته ، ولا بلغ فيها الرّتبة التي يفرّق معها بين ضروب الكلام الفصيح وبين كلّ ضرب منه [دون] (١) منزلته. وهذا نهاية سؤل العرب ، وغاية أملهم.
وإن كان الخوف ممّن لم يكن في صحبة النّبيّ صلىاللهعليهوآله ولا على دينه فلا خوف من هؤلاء ؛ لأنّهم أحذق (٢) وأمكن (من أن يردّوا) (٣) ما يوافق إرادتهم ، ويضعف أمر عدوّهم!
وذكرنا أيضا : أنّ ما اقتضى إمساكهم عمّن عارض بأخبار الفرس ، مع علمهم بعد ما أتى به عن المعارضة ، وعدولهم عن تكذيب من قال : لو نشاء لقلنا مثل هذا ، مع قطعهم على كذبه وبهته ، يقتضي الإمساك عمّن يعارض بكلام له حظّ من الفصاحة ، ويدّعي المماثلة. بل الإمساك عن هذا أولى ؛ لما تقدّم ذكره.
فأمّا قوله : «ولو لا صحّة هذا الوجه لكان التعلّق بالصّرفة يقوى من وجه كذا ،
__________________
(١) وضعناها لاقتضاء السياق.
(٢) في الأصل : أحنق ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : من برووا ، والظاهر ما أثبتناه.