وأيّ تأثير لتركها ليس (هو لفعلها) (١)؟
فإن قالوا : لأنّه لو كان من فعل الجنّ لوجب أن يخطر ذلك ببال العرب ، مع اجتهادهم في التماس الشّبهات ، [و] لو خطر لهم لوقفوا عليه. وإذا لم يفعلوا فلأنّ ذلك ممتنع عندهم.
وليس دعواهم أنّه من فعل الجنّ بهذه المنزلة ؛ لأنّهم قد يجوز أن يكذبوا (٢) بادّعاء ذلك ، ويحملهم القصور عن الحجّة ، وقلّة الحيلة على البهت والمكابرة (٣).
قيل لهم : هذا رجوع إلى أنّ العرب يجب أن تعرف كلّ شيء ، وقد قلنا في ذلك ما فيه كفاية.
وبعد ، فليس يمكنكم أن تقولوا : إنّ الجنّ لو كانت فعلت القرآن لوجب أن تعلم العرب بحالهم ؛ لأنّه لا دليل لهم على مثل هذا ، ولا طريق يوصلهم إلى العلم به.
وأكثر ما تدّعون أن تقولوا : إنّ العرب لا بدّ أن يخطر ببالها جواز كون مثل القرآن في مقدور الجنّ ، وإذا خطر لها ذلك ولم يؤمنها من أن تكون فعلته وأظهرته شيء ، لم يكن لها بدّ من المواقفة عليه! وهذا ممّا لا فرج لكم فيه ، لأنّا نقول عنده :
__________________
(١) في الأصل : هذا فعلها ، والمناسب ما أثبتناه مطابقا لما في الذخيرة / ٣٩٣.
(٢) في الأصل : يتكذّبوا ، والظاهر ما أثبتناه.
(٣) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٢ ـ ٣٩٣ : «خبّرنا لو واقفت العرب على ذلك وادّعت في القرآن أنّه من فعل الجنّ ، أكان ذلك دالّا على أنّه من فعل الجنّ على الحقيقة؟
فإن قال : نعم ، قيل له : كيف؟ وكيف يدلّ على ذلك ، وأيّ تأثير لدعواهم في تحقيق هذا الأمر؟
وإن قال : لا يدلّ ، قيل له : كيف لم تدلّ المواقفة على أنّه من فعلهم ، ودلّ تركها على أنّه ليس من فعلهم ، وأيّ تأثير للترك ليس هو للفعل؟».