فأمّا القسم الثّاني : وهو الخبر عن المستقبل ، فإنّه إنّما يكون دالّا عند وقوع مخبره موافقا للخبر. وقبل وقوعه لا فرق فيه بين الصّدق والكذب ، اللهمّ إلّا أن تقع ممّن قد دلّت دلالة غير ذلك الخبر على صدقه. فيعلم صحّة الخبر بتلك الدّلالة المتقدّمة لا بنفسه.
ومعلوم أنّ الحجّة بالقرآن كانت لازمة لمن تحدّي به قبل وقوع مخبرات أخباره (١) المستقبلة ، وأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله كان يطالب القوم بالإقرار به ويدعوهم إلى التّسليم. ولم يفعل ذلك إلّا وهم يتمكّنون من الاستدلال على صدقه ، وغير مفتقرين في العلم إلى حضور زمان متراخ. وهذا يبطل أن تكون جهة إعجازه ممّا يتضمّنه من الإخبار عن الحوادث المستقبلة (٢).
فأمّا القسم الأوّل : وهو الإخبار عن الماضي ، فليس في أخبار القرآن عن الماضيات إلّا ما هو خبر عن أمر ظاهر شائع قد اشترك أهل الأخبار في معرفته ، أو عرفه كثير منهم. وكلّ ذلك ممّا ينكر المخالف أن يدّعي أنّه مأخوذ من الكتب ، ومتلقّن من أفواه الرّجال (٣).
وما يقوله قوم من المتكلّمين في هذا الموضع ـ من أنّ ذلك لو أخذ من الكتب
__________________
(الم* غُلِبَتِ الرُّومُ ...) وأمثال ذلك من الأخبار التي وقعت مخبراتها موافقة للإخبار عنها».
(١) في الأصل : مخبران اخباره ، والمناسب ما أثبتناه مطابقا لما في الذخيرة / ٤٠٣.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٣ : «والقسم الثاني : إنّما يكون دالّا إذا وقع عن مخبر مطابق للخبر ، وقبل أن يقع ذلك ، لا فرق بين أن يكون صدقا أو كذبا. ومن المعلوم أنّ الحجّة بالقرآن كانت لازمة قبل وقوع مخبرات هذه الأخبار».
(٣) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٣ : «فأمّا القسم الأوّل : فهو خبر عن أمور كائنة ومشهورة شائعة ، وذلك لا يسمّى خبرا عن غيب ، وليس في ذلك إلّا ما يمكن المخالف أن يدّعي أنّه مأخوذ من الكتب ، أو من أفواه الرجال».