الابتداء ، وإلى كلّ عروض من أعاريضه ، وأنّه ممّا لا يصحّ ادّعاء الإعجاز به ، لأنّ المساواة فيه ممكنة. ودللنا على أنّ طريقة القرآن في النّظم لا يتعذّر احتذاؤها ولو بالكلام الّذي لا فصاحة له ولا فائدة فيه. وأنّه ولو بان من نظوم كلامهم المعهود ، فنظمه كالمعهود من حيث تمكّن من مساواته (١). واستقصينا ذلك استقصاء شديدا ، ولا طائل في إعادة ما مضى.
وممّا يبطل هذا المذهب ـ وإن كان ظاهر البطلان ـ ما قدّمناه ودللنا على صحّته من أنّ التحدّي وقع بحسب عرف القوم وعادتهم من حيث أطلق اللّفظ به وأحيلوا في معرفة الفرض على ما تقرّر في عادتهم.
وقد علمنا أنّه لا عهد لهم ولا عادة بأن يتحدّى بعضهم بعضا بطريقة نظم الكلام دون فصاحته ومعانيه ، وأنّ الفصاحة هي المقدّمة عندهم في التّحدّي ، والنّظم تابع لها.
وما نظنّ أنّ مميّزا يخفى عليه أنّ معارضة القرآن لو وقعت بالكلام الّذي لا فصاحة له ولا فائدة لدخل في معنى الهذيان ، و [لو كان] له مع ذلك طريقة القرآن في النّظم لكانت غير مؤثّرة ولا واقعة الموقع المبتغى ، وأنّ المطلوب بالتحدّي لم يكن هذا المعنى ، وأنّ الفصاحة إن لم تكن هي المقصودة بالتحدّي دون غيرها ، فلا بدّ من أن تكون مقصودة مع غيرها.
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٢ : «أمّا من ذهب الذاهب في جهة إعجاز القرآن إلى النّظم ، فربّما فسّر الذاهب إلى هذا المذهب قوله بما يرجع إلى الفصاحة والمعاني دون نفس النظم المخصوص. ومن فسّر بما يرجع إلى الفصاحة ، كان قوله داخلا فيما تقدّم فساده. وإن صرّح بأنّه أراد الطريقة والأسلوب ، فقد بيّنا أنّ طريقة النّظم لا يقع فيها تزايد ولا تفاضل ، ولا يصحّ التحدّي فيها إلّا بالسبق إليها ، وأنّ السبق لا بدّ فيه من وقوع المشاركة بمجرى العادة ، وأنّ كلّ نظم من النظوم لا يعجز أحد عن احتذائه ومساواته ، وإن كان بكلام قبيح خال من فصاحة. ومضى من هذا ما فيه كفاية».