تأتّى منه في سائر الأوصاف الّتي أحدها كونهما قادرين على الفعل ، فلو كان من تعذّر عليه الفعل على بعض الوجوه غير قادر عليه ، نسبنا تعذّره إلى ارتفاع القدرة. وتأتّيه إلى حصولها لم يفتقر إلى العلم أصلا ، ولا كان لنا في إثباته سبيل. وفي هذا نقض لأصول التّوحيد والعدل ، على سائر المذاهب وجميع الطّرق.
وأمّا قوله : لو كان الأمر على ما ذهبتم إليه لكان الواجب أن يسخف نظمه ؛ فقد سألنا أنفسنا عن هذا فيما تقدّم على آكد الوجوه وأبلغها ، واستقصينا الجواب عنه.
ثمّ قال أبو القاسم ، بعد الكلام الذي حكيناه عنه :
«ويقال لهم : إنّا لسنا ننكر أن يكون الله تعالى صرف العرب عن المعارضة بلطف من ألطافه ، وإلّا فإنّه لم يكن بعجيب أن يقدم جماعة على أن يأتوا بكلام يقدرون عليه ، ثمّ يدّعون أنّه مثل القرآن في نظمه. فأمّا القدرة على مثل القرآن في الحقيقة فالقول فيه ما قلنا».
وهذا اعتراف منه بالصّرفة على بعض الوجوه ، وإذعان شطر مذهب القائلين بها. ولو قال في الجميع قولا واحدا ، وجعل تعذّر المعارضة على الوجهين جميعا للصّرفة لاستراح من التلزيق (١) الّذي لا يثبت على نظر ولا فحص!
وأمّا من ذهب في إعجاز القرآن إلى اختصاصه بنظم مخالف للمعهود فقد تقدّم كلامنا عليهم عند اعتراضنا بمذهبهم على أنفسنا ، وبيّنا أنّ التحدّي لو وقع بطريقة النّظم فقط لوقعت (٢) المعارضة من حيث كان النّظم لا يصحّ في معناه التّزايد والتّفاضل. ولا وجه يصحّ التحدّي به إلّا السّبق إليه ، ودللنا على أنّ السّبق إلى ما يجب وقوع المشاركة فيه لا تأثير له ، ومثّلنا ذلك بالسّبق إلى قول الشّعر في
__________________
(١) لزق ، يلزق ، لزوقا وتلزيقا : أي فعله من غير إحكام ولا إتقان.
(٢) في الأصل : لو وقعت.