الزينة موعدا ، وهو يوم عيد لهم ؛ فجمع فرعون سحرته في هذا اليوم ، وكانوا قد أتوا بحبال وعصيّ لطّخوها بالزّئبق ، فألقوها في الشمس ، فاضطربت واهتزّت ، وخيّل إلى الناس أنها حيّات تسعى ، فألقى موسى عصاه ، فإذا هي أعظم من حيّاتهم ، ثم أخذت تزداد عظما حتّى ملأت الوادي ، وذهبت إلى حيّاتهم فأكلتها ؛ فعرف السّحرة أنّ هذا ليس بسحر ، وآمنوا بربّ موسى وهارون ؛ وقد هدّدهم فرعون بما تهدّدهم به ، فلم يرجعوا عن إيمانهم.
ثم ذكر سبحانه أنه أوحى الى موسى أن يسير ببني إسرائيل ليلا ، وأنّ فرعون تبعهم بجنوده حينما علم بهربهم ، وأنه جلّ وعلا ، شق البحر لبني إسرائيل فاجتازوه ، وأنّ فرعون أدركهم وهم يجتازونه ، فتبعهم بجنوده (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (٧٩).
ثم انتقل الكلام إلى ما كان بعد ذلك من بني إسرائيل ، فذكر أنه أنجاهم من فرعون عدوّهم ، إلى غير هذا ممّا ذكره من نعمه عليهم ؛ ثم أمرهم أن يأكلوا من طيّبات ما رزقهم ، ونهاهم أن يطغوا فيه لئلا يحلّ غضبه عليهم ، ثم ذكر ما كان من فتنتهم بعبادة العجل بعد ذهاب موسى لميعاد ربه ، وأنّ موسى حينما رجع إليهم لامهم على ما كان منهم ، فذكروا له أن السامريّ هو الذي أغواهم بعبادة العجل ، إذ صنع لهم من حليّهم عجلا جسدا له خوار ، وزعم لهم أنه إلههم وإله موسى ، فافتتنوا بذلك وصدّقوه في زعمه ؛ ثم ذكر أن هارون نهاهم عن ذلك ، فذكروا له أنهم سيقيمون عليه إلى أن يرجع موسى إليهم. وأن موسى لام هارون على أنه لم يقاتلهم هو ومن لم يعبد العجل ، فأجابه بأنه خشي أن يفرّق بينهم بالقتال ، فاكتفى بنصحهم ووعظهم ؛ ثم ذكر أن موسى سأل السامري بعد ذلك عمّا دعاه إلى فتنة قومه ، فأخبره بأنه كان قد أخذ بعضا من سنّته ودينه ، ثم بدا له فنبذها ودعا إلى تلك العبادة ، فأمر موسى بطرده من خلّة بني إسرائيل ، فخرج طريدا هو وأهله إلى البراري. ثم أتى بالعجل فحرقه بالنار ونسف رماده في اليمّ ، ليبيّن لهم أن مثل هذا لا يصح أن يتّخذ إلها (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٩٨).