المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الكهف» (١)
قوله سبحانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ). وهذه استعارة. لأن حقيقة العوج ، أن يكون فيما يصحّ عليه أن ينصاب أو يميل ويضطرب ويستقيم. وهذه من صفات الأجسام ، لا من صفات الكلام.
فنقول : إنّما وصف القرآن ـ والله أعلم ـ بأنه قيّم لا عوج فيه ، ذهابا إلى نفي الاختلاف عن معانيه ، والتناقض في أوضاعه ومبانيه. وأنه غير ناكب عن المنهاج ، ولا مستمرّ على الاعوجاج.
وقوله سبحانه : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) (٥). ووصف الكلمة هاهنا بالكبر استعارة. والمراد أنّ معناها فظيع ، وفحواها عظيم. وتقدير الكلام : كبرت الكلمة كلمة.
وللنصب هاهنا وجهان : أحدهما أن يكون على تفسير المضمر. مثل قولهم : نعم رجلا زيد ، وبئس صاحبا عمرو. والوجه الاخر أن يكون على التمييز في الفعل المنقول ، نحو : (وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩) [الآية ٢٩] ، وتصبّب عرقا.
وقوله سبحانه : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) (٨). وهذه استعارة. لأن المراد بالجرز هاهنا الأرض التي لا نبات فيها ، وذلك مأخوذ من قولهم :
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.