المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «النحل» (١)
قوله سبحانه : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [الآية ٢] هذه استعارة : لأن المراد بالروح ، هاهنا ، الوحي الذي يتضمن إحياء الخلق ، والبيان عن الحقّ. ومثل ذلك قوله سبحانه : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢] ومثله قوله سبحانه في المسيح (ع) : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) [النساء : ١٧١] فسمّاه تعالى روحا على هذا المعنى ، لأنّ به حياة أمته ، وبقاء شريعته.
فأما قوله سبحانه : (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [السّجدة : ٩] فإنما أراد بذلك الروح التي خلقها ليحيي عباده بها ، وأضافها الى نفسه كما أضاف الأرض الى نفسه ، إذ يقول تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النساء : ٩٧].
وكان أبو الفتح عثمان بن جنّي رحمهالله يقول : معنى قولهم في القسم : «لعمر الله ما قلت ذلك ، ولأفعلن ذلك» ، إنما يريدون به القسم بحياة يحيي الله بها ، لا حياة يحيى بها ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا. فكان المقسم إذا أقسم بهذه الحياة ، دخل ما يخصه منها في جملة قسمه ، وجرى ذلك مجرى قوله : لعمري. فيصير مقسما بحياته التي أحياه الله بها. والعمر هاهنا هو العمر. ومعناه الحياة.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.