الرحيم ، وهو (ص) كان رحيما للفريقين ، ألا ترى أنهم لما شجّوه يوم أحد ، وكسروا رباعيّته حتّى خرّ مغشيّا عليه ، فلمّا أفاق قال اللهمّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون؟
فإن قيل لم قال تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) (١٠٩) مع إخباره تعالى إيّاهم بقرب الساعة ، بقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل / الآية الأولى] وقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر / الآية الأولى] ونحو هما.
قلنا : معناه ما أدري أنّ العذاب الذي توعدونه وتهدّدون به ، ينزل بكم عاجلا أو آجلا ، وليس المراد به قيام الساعة. ويردّ على هذا الجواب ، أنّه قريب على كل تقدير ؛ لأنّه إن كان قبل قيام الساعة ، فظاهر ، وإن كان بعد قيام الساعة ، فهو كالمتّصل بها ، لسرعة زمن الحساب ، فيكون قريبا أيضا.
فإن قيل : إذا كان المؤمنون يعتقدون أنّ الله تعالى لا يحكم إلّا بالحقّ ، فما فائدة الأمر والإخبار المتعلّق بهما ، بقوله تعالى : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الآية ١١٢]؟
قلنا : أوّلا ليس المراد بالحق هنا ما هو نقيض الباطل ؛ بل المراد به ما وعده الله تعالى إيّاه ، من نصر المؤمنين وخذلان الكافرين ، ووعده لا يكون إلا حقّا. فكأنّ السّياق : عجّل لنا وعدك وأنجزه. ونظيره قوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٨٩) [الأعراف]. الثاني : أنّه تأكيد لما في التصريح بالصفة من المبالغة ، وإن كانت لازمة للفعل ، ونظيره في عكسه من صفة الذّمّ ، قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) [آل عمران : ١١٢].