يجري مجرى ذلك. فلما كانت السماء تظلّ من تحتها ، وتعلو على أرضها ، حسن أن تسمّى سقفا لذلك. ومعنى «محفوظا» : أي تحفظ ، مما لا يمكن أن تحفظ من مثله سائر السقوف ، من الانفراج والانهدام والتشعّث والاسترمام. وقد قيل : معنى ذلك ، حفظ السماء من مسارق السمع ، وتحصينها بمقاذف الشهب.
وقوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٣٣). وهذه استعارة ، لأنّ أصل السّبح هو التقلّب والانتشار في الأرض. ومنه السّباحة في الماء. ولا يكون ذلك إلّا من حيوان يتصرّف. ولكنّ الله سبحانه ، لمّا جعل الليل والنهار والقمر والشمس مسخّرة للتقلّب في هذا الفلك الدائر والصفيح السائر ، تتعاقب فيه وتتغاير ، تتقارب وتتباعد ، حسن أن يعبّر عنها بما يعبّر به عن الحيوان المتصرّف ، وزيدت على ذلك شيئا ، فعبّر عنها بما يعبّر به عن الحيوان المميّز. فقيل : «يسبحون» ، ولم يقل : تسبح ، لأنها ، في الجري على الترتيب المتقن والتقدير المحكم ، أقوى تصرّفا من الحيوان غير المميّز. ولأن الله سبحانه أضاف إليها الفعل على تدبير ما يعقل ، فحسن أن يعبّر عنها بما يعقل ، مثل قوله تعالى : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٤) [يوسف]. ومثل قوله سبحانه : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨] فقال سبحانه : (ادْخُلُوا) ولم يقل ادخلي. لأن خطابها لمّا خرج على مخرج خطاب من يعقل ، كان الأمر لها على مثال أمر من يعقل. وقد مضى الكلام على ذلك فيما تقدّم.
وقوله سبحانه : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الآية ٣٧]. وهذه استعارة. والمراد أنّ الإنسان خلق مستعجلا بطلب ما يؤثره ، واستطراف ما يحذره. والله سبحانه إنّما يعطيه ما طلب ، ويصرف عنه ما رهب ، على حسب ما يعلمه من مصالحه ، لا على حسب ما يسنح من ماربه.
وقيل ذلك على طريق المبالغة في وصف الإنسان بالعجلة ، كما يقال في الرجل الذكيّ : إنّما هو نار تتوقّد ، وللإنسان البليد : إنّما هو حجر جامد.
فأمّا من قال من أصحاب التفسير : إن العجل هاهنا اسم من أسماء الطين ،