محالة. الثاني أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، وكان هلاكهم في الدنيا بعضا ، فمراده : يصيبكم في الدنيا بعض الذي يعدكم. الرابع : أنه ذكر البعض بطريق التنزّل والتلطّف وإمحاض النصيحة من غير مبالغة ولا تأكيد ، ليسمعوا منه ولا يتّهموه ، فيردوا عليه وينسبوه إلى ميل إلى موسى (ع) ومحاباة ؛ فكأنه قال : أقلّ ما يصيبكم البعض وفيه كفاية ؛ قال الشاعر :
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون من المستعجل الزّلل |
كأنه يقول أقلّ ما يكون في التأني إدراك بعض المطلوب ، وأقلّ ما يكون في الاستعجال الزلل ، فقد بان فضل التأني على العجلة بما لا يقدر الخصم على دفعه وردّه. والوجه الرابع هو اختيار الزمخشري رحمة الله عليه.
فإن قيل : التولّي والإدبار واحد ، فما الحكمة في قوله تعالى : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) [الآية ٣٣]؟
قلنا : هو تأكيد ، كقوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل / ٢٦] ونظائره كثيرة. الثاني : أنه استثارة لحميّتهم ، واستجلاب لأنفتهم ، لما في لفظ «مدبرين» من التعريض بذكر الدبر ، فيصير نظير قوله تعالى : (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥) [القمر].
فإن قيل : ما الحكمة في التكرار في قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (٣٦) (أَسْبابَ السَّماواتِ) ولم لم يقل : أبلغ أسباب السماوات؟ أي أبوابها وطرقها.
قلنا : إذا أبهم الشيء ثمّ أوضح كان تفخيما لشأنه وتعظيما لمكانه ، فلما أريد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السموات أبهمت ثمّ أوضحت.
فإن قيل : مثل السيئة سيئة ، فما المقصود في قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الآية ٤٠]؟
قلنا : معناه أنّ جزاء السيئة له حساب وتقدير لا يزيد على المقدار المستحق ، وأمّا جزاء العمل الصالح فبغير تقدير حساب كما قال تعالى في آخر الآية.
فإن قيل : قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام / ١٦٠] ينافي ذلك.
قلنا : ذلك لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ، كما قال الله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس / ٢٦].
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَقالَ