له معنى آخر هو : إنّ الواجب الغيري عبارة عن العلّة التامة للواجب ، أو ما هو بمثابتها ، وهذا أمر واحد لا يتعدّد ، كما سوف يأتي توضيحه ، وهذا جواب آخر على التقريب الأول للتّسلسل.
الوجه الثاني : هو أنّ مقدمة المقدمة ، إنّما تكون واجبة بالوجوب الغيري بملاك توقف ذي المقدمة عليها ، لا بملاك توقف المقدمة عليها ، فلو فرض محالا عدم توقف الواجب النفسي على مقدمة ، حينئذ لا يبقى ملاك لوجوبها ، لأن الواجب النفسي يتحقّق بحسب هذا الفرض بلا حاجة إلى تلك المقدمة ، والمفروض عدم وجود ملاك نفسي فيها ، وإلّا كانت واجبا نفسيا.
وفي المقام ، وإن كانت المقدمة الموصلة بما هي موصلة ، متوقّفة على ذي المقدمة ، فيكون ذو المقدمة مقدمة للمقدمة ، إلّا ان هذه المقدمة لا تكتسب الوجوب الغيري ، لعدم كونها ممّا يتوقف عليه ذو المقدمة ، لأنها نفسه ، والشيء لا يتوقف على نفسه ، وإنما توقف عليه حيثيّة الإيصال من المقدمة ، إذن فلا ملاك لوجوبه الغيري أصلا ، فينقطع التسلسل.
وإن شئت قلت : إنه لو سلّمنا أنّ الوجوب الغيري يترشح على كل ما هو مقدمة ، فلا إشكال في أن مبدأ هذا الترشح إنما هو الإيصال إلى الواجب النفسي لا الغيري ، مهما تعدّد وتكثّر ، لأن الوجوب الغيري تبعي غيري ، ولا يمكن أن يدعو إلى نفسه ، حيث يمكن أن يقال : إذا كانت المقدمة الثانوية مغايرة مع الواجب النفسي ، أو الواجب الغيري الأول ، كإخراج الماء للوضوء ، أمكن أن يكون هناك وجوب غيري خاص به ، وأمّا إذا كانت نفس الواجب النفسي ، كما في قيدية ذي المقدمة لإيصال المقدمة ـ كما في التقريب الثاني ـ أو نفس الواجب الغيري الأول ـ كما في التقريب الأول ـ فإنّ ذات المقدمة تقيّد بإيصالها إلى ذي المقدمة ، لا إلى المقدمة الموصلة ، إذن فلا معنى لترشّح وجوب غيري جديد ليلزم التسلسل.
الوجه الثالث : هو أن هذا التسلسل المذكور ليس مستحيلا ، وذلك باعتبار أن الشوق أو الوجوب الغيري ، لا يكون شوقا أو وجوبا فعليا في نفس