لأنها توهم عدم التعارض والتنافر بين الخطابين ، والعلاقة الثانية هي : نكتة ملاك شبهة القائلين بامتناع الترتب ، لأنهم يقولون بفعليّة الأمرين معا ، وكل منهما يجر نحو متعلقه ، والجر إلى متعلقه هو في الوقت نفسه جر عن ضده لا محالة إذ الأمر بالإزالة هو جر نحو الإزالة ، وبمقدار ما يكون جرا نحو الإزالة ، يكون جرا عن الصلاة ، وكذلك الأمر بالصلاة يقوم بنفس الفعل فيتنافى الأمران.
إذا توضّح هذا فنقول : إنّ العلاقة الموجودة بين الخطابين الترتبيين في جميع هذه الفروع الثلاثة ، إنّما هي العلاقة الأولى ، لأن خطاب «سافر» يستدعي رفع موضوع الخطاب «بالصلاة تاما» ، لكن هذه العلاقة كانت منشأ لشبهة القائلين بإمكان الترتب ، حيث يكون الأمر بالصلاة تاما مرتبا على عدم السفر ، فيكون الأمر بالسفر حينئذ مستدعيا بامتثاله رفع الأمر بالصلاة تاما ، بينما منشأ شبهة القائلين بالامتناع هي العلاقة الثانية ، وهذه العلاقة في المقام غير موجودة ، لأنها إنّما تصدق فيما إذا كان هناك تضاد بين متعلق الأمر بالأهم ، ومتعلق الأمر بالمهمّ ، «كالصلاة والإزالة» فهما فعلان متضادان.
وأمّا في المقام فلا تضاد بين ما يحرّك نحوه خطاب «سافر» ، وبين ما يحرك نحوه خطاب «إذا لم تسافر فصلّ رباعيّة» ، إذ إنّ «سافر» يحرك نحو السفر ، وخطاب «إذا لم تسافر فصلّ تاما» هنا عدم السفر قيّد الوجوب ، والأمر لا يحرك نحو مقدمات الوجوب ، بل نحو صلاة رباعيّة ، وعلى هذا فيمكن اجتماعهما مع السفر ، غاية الأمر أنه لا أمر حينئذ بالصلاة الرباعية ، إذن فهي ليست تحت الطلب كي يكون الأمر بها مضادا مع الأمر بالسفر ، ومقتضيا لتحرك المكلّف باتجاه معاكس ، لما يقتضيه الأمر بالسفر ، كما كان في موارد الترتب.
وما كان سوق هذه النقوض إلّا نتيجة لملاحظة العلاقة الأولى التي يترتب فيها أحد الأمرين على ترك الآخر وعصيانه ، وقد عرفت أن العلاقة الأولى هي منشأ القول بإمكان الترتب ، لا الامتناع.