تكون الباعثية باعثية مطلقة ، هذا كله بناء على الالتزام بوجود مرحلتين في عالم الثبوت هما : مرحلة الملاك ، ومرحلة الإرادة والشوق.
وأمّا إذا التزمنا في عالم الثبوت بوجود مرحلة ثالثة اسمها «الجعل والاعتبار» ، حينئذ يقع البحث ثبوتا في حقيقة الواجب المشروط بلحاظ مرحلة الجعل والاعتبار.
ولكن قبل الدخول في بحث حقيقة الواجب المشروط بلحاظ مرحلة الجعل والاعتبار ، ينبغي أن نوضح إشكالا سابقا في برهان النظرية الأولى مع جوابه ، حيث أنهم كانوا قد ذكروا هناك : بأن المولى ، قبل أن تتحقق الاستطاعة والعطش خارجا ، فهو يصدر الخطاب ، مع أن الخطاب إنما يصدره المولى توصلا إلى مراده ، واستطراقا إلى مطلوبه ، وهذا يكشف عن فعلية الإرادة ، وقد أجبنا هناك بجواب إجمالي حيث قلنا إنّ صدور الخطاب ـ كما ذكر ـ إنما كان من باب المقدمات المفوّتة.
ولكن تفصيل هذا الجواب الإجمالي ، هو أن يقال : إنّ صدور الخطاب من المولى قبل الاستطاعة والعطش ، إنما كان بمحركية الإرادة الثانية لا الأولى ، حيث قلنا فيما تقدّم : إنّ المولى له إرادة فعلية مطلقة متعلقة بجامع «أن لا يوجد عطش لا ماء معه». ومن الواضح أنه لو لم يجعل هذا الخطاب من أول الأمر ، إذن فسوف يوجد عطش لا ماء معه ، وحينئذ ، فباعتبار التحفظ من ناحية هذه الإرادة الفعلية غير المنوطة يصدر الخطاب ، فالخطاب إذن من شئون محركيّة الإرادة الثانية دون الأولى.
٣ ـ المرحلة الثالثة :
من مراحل الحكم هي مرحلة الجعل والاعتبار بعد مرحلتي الملاك والإرادة ، وهذه المرحلة وإن لم يكن لها أي أثر في مقام الثبوت ، لأن تمام الأثر في نظر العقل إنما هو عالم الملاك والإرادة مع تصدّي المولى لإبرازهما وتحصيلهما ، ولكن رغم هذا فقد يقال إنّ هذه المرحلة هي صياغة عقلائية