وعليه فلا يلزم محذور من إطلاق الوجوب من ناحيته.
بقي بعد هذا ، الإشارة إلى نكتة وهي : إن ما تعقلناه في المرحلة الثالثة من الوجوب المشروط ، لا يعني مقايسة باب الأحكام الشرعية بباب القضايا الحقيقية كما هو ظاهر المحقق النائيني (١) (قده) ، فإنه بعد أن تعقّل الواجب المشروط ، ذهب إلى أنّ حال الواجب المشروط هو حال القضايا الحقيقية. فكما يوجد في القضايا الحقيقية مرحلتان ، مرحلة القضية الشرطية الصادقة حتى مع كذب طرفيها ، ومرحلة القضية الفعلية ، الحملية في طرف الجزاء ، والتي تكون فعلية عند فعلية الشرط ، فكذلك الحال في الواجب المشروط فإنه تكون للحكم الشرعي مرحلتان :
مرحلة جعل الوجوب على المستطيع التي ترجع إلى قضية حقيقية شرطية.
ومرحلة المجعول التي ترجع إلى قضية فعلية للوجوب عند فعلية وتحقق الشرط في الخارج ، فإذا قال المولى : إذا استطعت فحج ، فهذه قضية شرطية لا تختلف في روحها عن القضية الحقيقية ، فكما أن القضية الحقيقية ترجع في روحها إلى قضية شرطية كما في قوله «النار حارة» فإنها ترجع إلى قضية شرطية مفادها أنه إذا كان شيء «ما» نارا فهي حارة ، وكذلك هنا في القضايا الشرطية فقضية «إذا استطعت فحج» مفادها قضية حقيقية ، تعني أنه إذا كان إنسان «ما» مستطيعا ، فهو يجب عليه الحج ، وبهذا يكون (المحقق النائيني) قد قاس القضية الحكمية الشرعية بقضية حقيقية تكوينية كما في «النار حارة» بلحاظ المرحلة الأولى والثانية ، وهو بهذا تصوّر للحكم عالمين : عالم الجعل ، وعالم المجعول ، فعالم الجعل هو عالم المرحلة الأولى ، أي : عالم القضية الشرطية ، بينما عالم المجعول هو عالم المرحلة الثانية ، أي : عالم القضية الفعلية ، يعني عالم فعلية الجزاء بفعلية شرطه.
__________________
(١) أجود التقريرات : الخوئي ج ١ ص ٢٢٤.