وهذه المقايسة ، بلحاظ المرحلة الأولى وهي مرحلة القضية الشرطية ، هي صحيحة ، ولكنها بلحاظ المرحلة الثانية ، مرحلة القضية الفعلية ، هي غير صحيحة ، فإن قضية «النار حارة» لها مرحلة فعلية ، وهي مرحلة فعلية الجزاء بفعلية الشرط ، ولكن قضية المستطيع يجب عليه الحج ، هذه القضية ليس لها وراء عالمها وجود فعلي ، ومرحلة فعلية لكي تقاس هذه بتلك كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في الشرط المتأخر. فإن القضية الحقيقية يكون لجزائها مرحلة فعلية حقيقية ، وهذا بخلاف القضية المجعولة ، فإنها لا يكون لجزائها مرحلة فعلية حقيقية بالدقة بل وهمية تصورية.
والخلاصة هي : إنّ الوجوب المشروط في مرحلة الجعل والاعتبار ـ المرحلة الثالثة ـ وإن كان ينشأ على نهج القضايا الحقيقية ، بمعنى أنه يقدّر وجود الشرط تقديرا ، ثمّ ينشأ الوجوب على أساس هذا التقدير ، كما يقدر وجوب النار ، وينشأ الحكم بالحرارة على أساسه.
ولكن الفرق بين الاعتبار الذي يتمثل فيه الحكم في المرحلة الثالثة ، وبين القضايا الحقيقية في الأمور الخارجية ، هو : إنّ القضايا الحقيقية لها وراء عالم القضية الشرطية فعلية لجزائها في ظرف فعلية موضوعها ، ولكن الاعتبار الذي تتمثل فيه قضايا الأحكام في المرحلة الثالثة ، فهو ليس له وراء عالم القضية الشرطية المجعولة بذلك الاعتبار ، ليس له فعلية للجزاء بفعلية الشرط ، كما أشرنا إلى ذلك في بحث الشرط المتأخر.
وحاصل الكلام في ذلك هو : إنّ المولى حينما يعتبر وجوب الحج على المستطيع ، فإنه يحدث بهذا الاعتبار شيئا لم يكن قبله ـ سواء أكان مستطيعا في الخارج أو لم يكن ، وهذا الشيء الذي يحدث هو عبارة عن نفس الجعل والاعتبار ، إذ إنّ الجعل والاعتبار حادثان بعد العدم ، فالحادث قضية شرطية مجعولة ومفترضة ، وهي قضية أنه لو كان مستطيعا لوجب عليه الحج ، وهذه القضية الشرطية تكون ثابتة بالجعل والاعتبار ، بعد أن لم يكن لها ثبوت قبل ذلك ، ثم بعد ذلك ، يفرض أن الشرطية ـ الاستطاعة ـ توجد خارجا ، حيث