لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (٤٨)
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ) أيّ حر نار ينفذ في المسامّ (وَحَمِيمٍ) أي ماء متناهي الحرارة (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) أي من دخان أسود ، طبق أهويتهم المردية ، وعقائدهم الفاسدة ، وهيئات نفوسهم المسودة ، بالصفات المظلمة ، والهيئات السود الرديئة (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي ليس له صفتا الظل الذي يأوي إليه الناس من الروح ، ونفع من يأوي إليه بالراحة ، بل له إيذاء وإيلام وضرّ ، بإيصال التعب واللهب والكرب (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) أي منهمكين في اللذات والشهوات ، منغمسين في الأمور الطبيعية ، والغواشي البدنية ، فبذلك اكتسبوا هذه الهيئات الموبقة ، والتبعات المهلكة. (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) أي الذنب العظيم ، من الأقاويل الباطلة والعقائد الفاسدة ، التي استحقوا بها العذاب المخلد ، والعقاب المؤبد. وفسره (السبكي) بالقسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨] ، قال الشهاب : وهو تفسير حسن ، لأن الحنث ، وإن فسر بالذنب مطلقا أو الذنب العظيم ، فالمعروف استعماله في عدم البر بالقسم ، ولذا تأثره بما كانوا يعتقدونه من إنكار البعث بقوله : (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) (٥٦)
(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي معين عنده تعالى ، وهو يوم القيامة (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ) أي الجاهلون المصرّون على جهالاتهم ، والجاحدون للبعث. (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) وهو من أخبث شجر البادية في المرارة ، وبشاعة المنظر. ونتن الريح (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) أي من