شهد بدرا ، وما يدريك ، لعل الله عزوجل اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم!
قال عمرو بن دينار ـ راوي الحديث ـ ونزلت فيه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي ...) الآيات.
قال ابن كثير : كان حاطب هذا رجلا من المهاجرين ، ومن أهل بدر. وكان له بمكة أولاد ومال ، ولم يكن من قريش أنفسهم ، بل كان حليفا لعثمان. فلما عزم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فتح مكة ، لمّا نقض أهلها العهد ، فزمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال : اللهم عمّ عليهم خبرنا. فعمد حاطب هذا ، فكتب كتابا إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوهم ، ليتخذ بذلك عندهم يدا ـ كما ذكر في الحديث ـ.
الثاني ـ قال ابن كثير : يعني تعالى بقوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) المشركين والكفار ، الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين ، الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم ، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة : ٥١] ، وهذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة : ٥٧]. وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) [النساء : ١٤٤] ، وقال تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨]. ولهذا قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عذر حاطب ، لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش ، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد. انتهى.
أي أنه قبل عذره فيما قام في ظنه من كون ذلك ليس بكبيرة ، وإن أخطأ. والمجتهد المخطئ معذور. وقد تبيّن خطؤه بصريح النهي عن معاودة مثله الذي لأجله نزلت السورة ، ولذلك قال الإمام إلكيا الهرّاسي : يؤخذ من الآية أن الخوف على المال والولد لا يبيح الفتنة في دين الله ، وهو ظاهر ، وليس هذا من التقية ، لأنها في موضوع آخر. وقد بسط الكلام على الولاء والبراء السيد ابن المرتضى في (إيثار الحق). في المسألة الثامنة. قال (بعد أن أورد الآيات والأحاديث) : هذا كله في