يدين الله العباد بأعمالهم (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي يحرقون. وأصل الفتن إذابة الجوهر ليظهر غشه. ثم استعمل في التعذيب والإحراق ونحوه.
قال القاضي : جواب للسؤال. أي يقع يوم هم على النار يفتنون ، أو هو يوم هم .. إلخ ، وفتح (يوم) لإضافته إلى غير متمكن ، ويدل عليه أنه قرئ بالرفع.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤)
(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي مقولا لهم : ذوقوا عذابكم الذي طلبتموه ، بل الذي استعجلتموه قبل وقته ، كما قال : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) أي حصوله في الدنيا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١٩)
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين اتقوا الله بطاعته ، واجتناب معاصيه في الدنيا ، وبتجنب القول بالخرص والتخمين في الأمور الاعتقادية (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) قال ابن جرير : أي عاملين ما أمرهم به ربهم ، مؤدين فرائضه. وقال غيره : أي قابلين لما أعطاهم من النعيم الأخرويّ ، راضين به.
وهذا هو الوجه. ولذا قال ابن كثير : والذي فسر به ابن جرير فيه نظر ، لأن قوله تبارك وتعالى (آخِذِينَ) حال من قوله (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فالمتقون في حال كونهم في الجنات والعيون ، آخذين ما آتاهم ربهم. أي من النعيم والسرور والغبطة.
ثم أشار إلى سر استحقاقهم لذلك بقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) يعني : في الدنيا (مُحْسِنِينَ) أي قد أحسنوا أعمالهم لغلبة محبة الله على قلوبهم ، بظهور آثارها في أفعالهم وأقوالهم ، كما بينه بقوله سبحانه (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أي كانوا يهجعون هجوعا قليلا. لتقوى نفوسهم على عبادته تعالى ، بنشاط.
روى ابن جرير عن أنس في الآية ؛ أنهم كانوا يصلّون ما بين هاتين الصلاتين ، ما بين المغرب والعشاء.