القول في تأويل قوله تعالى :
(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (١٩)
(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أي عتا وتجاوز حدّه في العدوان على بني إسرائيل ، وانتحال صفات الربوبية ، ونسبتها إلى نفسه (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) أي تتزكى وتتطهر من دنس الشرك والطغيان. و (إِلى) متعلقة بمبتدأ محذوف. أي هل لك سبيل أو رغبة إلى أن تتزكى؟
وقال أبو البقاء : لما كان المعنى أدعوك. جيء ب (إِلى) فجعل الظرف متعلقا بمعنى الكلام أو بمقدر يدل عليه (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) أي أرشدك إلى علم ما يرضيه عنك. وذلك الدين القيم (فَتَخْشى) أي عقابه من سلب الملك وإذاقة البأس مكان النعم. وذلك بأداء ما ألزمك من فرائضه واجتناب ما نهاك عنه من معاصيه. وفيه إشارة إلى أن الخشية مسببة عن العلم. كما في آية : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، أي العلماء به.
قال الزمخشري :
ذكر الخشية لأنها ملاك الأمر. من خشي الله أتى منه كل خير ، ومن أمن اجترأ على كل شر. وبدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض. كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرفيق. ليستدعيه بالتلطف في القول ، ويستنزله بالمداراة من عتوّه. كما أمر بذلك في قوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) [طه : ٤٤] ، انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٢٦)
(فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) أي الدلالة الكبرى على أنه لله رسول أرسله إليه. والفاء فصيحة ، تفصح عن جمل قد طويت ، تعويلا على تفصيلها في السور الأخرى. أي فذهب وبلغ ورجع وتحدّى فأراه الآية الكبرى. وهو على ما قاله مجاهد ، عصاه ويده. أي عصاه إذ تحولت ثعبانا مبينا. ويده إذ أخرجها بيضاء للناظرين. وإفرادهما لأنهما كالآية الواحدة في الدلالة. أو هي العصا لأنها كانت المقدمة والأصل. والبقية