قال الشهاب : وكون عتابه على ما ذكر عظة ، لأنه مع عظمة شأنه ومنزلته عند الله إذا عوتب على مثله. فما بالك بغيره؟ وجوّز عود الضمير للآيات وللسورة ، والوصية بالمساواة بين الناس ، ولدعوة الإسلام. وقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي حفظه. على أنه من (الذكر) خلاف النسيان : أو اتعظ به ، من (التذكير).
قال الزمخشري : وذكّر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ. وقيل : الضمير للقرآن. والكلام استطراد (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) يعني صحف آيات التنزيل وسوره (مَرْفُوعَةٍ) أي عالية المقدار (مُطَهَّرَةٍ) من التغيير والنقص والضلالة (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) جمع سافر بمعنى سفير. أو هو الذي سعى بين قومه بالصلح والسلام. يقال : سفر بين القوم ، إذا أصلح بينهم. ومنه قوله :
وما أدع السفارة بين قومي |
|
وما أمشي بغشّ ، إن مشيت |
والسفرة ، إما الملائكة لأنهم يسفرون بالوحي بين الله تعالى ورسله. كأنه محمول بأيديهم. وإما الأنبياء لأنهم وسائط في الوحي يبلغونه للناس (كِرامٍ) أي عنده تعالى ، لاصطفائهم للرسالة (بَرَرَةٍ) أي أخيار. جمع (بارّ) وهو صانع البر والخير.
(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) قال الرازي : اعلم أنه تعالى لما بدأ بذكر القصة المشتملة على ترفع صناديد قريش على فقراء المسلمين ، عجّب عباده المؤمنين من ذلك. فكأنه قيل : وأي سبب في هذا العجب والترفع؟ مع أنّ أوله نطفة قذرة وآخرة جيفة مذرة. وفيما بين الوقتين حمال عذرة. فلا جرم ، ذكر تعالى ما يصلح أن يكون علاجا لعجبهم ، وما يصلح أن يكون علاجا لكفرهم. فإن خلق الإنسان تصلح لأن يستدل بها على وجود الصانع وعلى القول بالبعث والحشر والنشر. ومرجعه إلى أن المراد بالإنسان من استغنى عن القرآن الكريم الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة للإقبال عليه والإيمان به. وجوز أن يراد بالإنسان الجنس المنتظم للمستغني ، ولأمثاله من أفراده ، لا باعتبار جميع أفراده.
لطائف :
الأولى : قال الزمخشري : (قُتِلَ الْإِنْسانُ) دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم. لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها.
الثانية : قال ابن جرير : في قوله : (ما أَكْفَرَهُ) وجهان أحدهما التعجب من