قال الفراء : ولم يقل (فقبره) لأن القابر هو الدافن بيده ، والمقبر هو الله تعالى يقال (قبر الميت) إذا دفنه. و (أقبر الميت) إذا أمر غيره بأن يجعله في القبر.
وقال ابن جرير : القابر هو الدافن الميت بيده كما قال الأعشى :
ولو أسندت ميتا إلى نحرها |
|
عاش ولم ينقل إلى قابر |
القول في تأويل قوله تعالى :
(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٢)
(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي بعثه بعد مماته وأحياه. وإنما قال : (إِذا شاءَ) لأن وقت البعث غير معلوم لأحد. فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى. متى شاء أن يحيي الخلق أحياهم.
قال الشهاب : وتخصيص النشور به دون الإماتة والإقبار ، لأن وقتهما معين إجمالا ، على ما هو المعهود في الأعمار الطبيعية.
(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) قال ابن جرير : أي ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر ، من أنه قد أذى حق الله عليه ، في نفسه وماله ، فإنه لما يؤد ما فرض عليه من الفرائض ، ربّه.
وقال القاشانيّ : لما بين أن القرآن تذكرة للمتذكرين ، تعجب من كفران الإنسان واحتجابه حتى يحتاج إلى التذكير. وعدد النعم الظاهرة التي يمكن بها الاستدلال على المنعم بالحس ، من مبادئ خلقته ، وأحواله في نفسه ، وما هو خارج عنه مما لا يمكن حياته إلا به. وقرر أنه مع اجتماع الدليلين ، أي النظر في هذه الأحوال الموجب لمعرفة الموجد المنعم والقيام بشكره ، وسماع الوعظ والتذكير بنزول القرآن ، لما يقض في الزمان المتطاول ما أمره الله به من شكر نعمته ، باستعمالها في إخراج كماله إلى الفعل ، والتوصل بها إلى المنعم. بل احتجب بها وبنفسه عنه. انتهى.
ولما فصل تعالى النعم المتعلقة بحدوثه ، تأثرها بتعداد النعم المتعلقة ببقائه. فقال سبحانه (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) أي فإن لم يشهد خلق ذاته ، وعمي عن